بقلم: سمير عطا الله
منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي، بدأ نقاش بين الناس: أيهما أكثر تعبيراً، الصورة أم الكلمة؟ في الأحداث الكبرى يجب تأمل الوجوه، أفراداً أو جماعات. أذهلني في الصور الخارجة من بغداد أخيراً، التشابه مع متظاهري لبنان: تشابه الأعمار، تشابه اللباس، وتشابه الهتافات. الفارق الكبير كان موقف الجيش والقوى الأمنية.
سقط في العراق ألوف القتلى والجرحى، معظمهم بالرصاص. في لبنان قال سعد الحريري، إنه سوف يستقيل إذا سقط جريح واحد، وفعل. من الغريب أن تسمح حكومة لنفسها بقتل كل هؤلاء المواطنين من دون العثور على نافذة للتفاوض معهم. إنه لدليل انهيار مفزع ألاَّ يبقى لدى الدولة من خيار سوى الرصاص الحي، والرصاص المطاط، والرصاص الرصاص، أي التوتر العصبي وفقدان القدرة على الحكم بالعقل والقانون وحفظ الأمن.
إننا أمام تشابهات كثيرة، أهمها فشل النظام العربي الذي تنادي بغداد وبيروت بسقوطه. أفشله الفساد والتردّي وانعدام الرؤية وخفض جميع المستويات والمقاييس: من مستوى المعيشة، إلى مستوى التعليم، إلى مستوى البيروقراطية، إلى مستوى العلاقة بين الدولة والناس.
إلى متى تستطيع الدولة أن تهمل أهلها؟ وإلى متى كلما شكوا، تقدم لهم «آلهة» يعبدونهم؟ بعد طول احتقان وقهر وتجاهل ولا مبالاة، لا يعود ينفع شيء، حتى إعلان الطوارئ ومنع التجول، ومشروعات الإصلاح الراكضة بعد عقود من النوم والبلادة، والغطرسة الفارغة.
يقال إن العراقيين يشعرون بالحنين إلى مرحلة صدام. دعونا لا نخدع أنفسنا في هذه المحنة الكبرى. الحنين ليس دليلاً على صواب تلك المرحلة، بل على مدى سوء ما أعقبها. الناس لا تتمنى ما مضى، بل تؤكد سوء ما وصلت إليه.
كان يفترض في النظام اللبناني أنه أفضل من جواره: اقتصاد مستمر النمو، ونسبة معقولة من الحريات، ومستوى تعليمي متطور. لكن الانفجار الأخير أثبت صدأه. تنقلت في بيروت أمس فلم أجد سوى محلات تغلق إفلاساً، ولم أسمع سوى شكوى الفقر. واختفى طواويس السياسة خلف الأبواب، ومعهم أوقح أشكال الفساد والسرقة والسطو.
مليون ونصف مليون متظاهر في لبنان طوال أسبوعين، وألوف المصابين في العراق، والبحث جارٍ عن حكومة جديدة. حان وقت البحث عن فكر جديد.