بقلم: سمير عطا الله
اتصلت بي مديرة مكتب الناشر الكبير إبراهيم المعلم تسألني عن عنواني البريدي، فعرفت أن ثمة كتاباً جديداً من «الشروق» في الطريق إليّ. أخطأت. حملت إليّ «أرامكس» رزماً من الكتب. وأكثر ما أفرحني أن الصديق العزيز اختارها بنفسه عنواناً عنواناً، ولم يترك الانتقاء لمعاونيه. الرجل يعرف قرّاءه بقدر ما يعرف كتّابه.
تبدو اهتمامات «الشروق» مثل مكتبة وطنية، لا مثل دار تجارية. يساعدها في ذلك وجود «سرب من الخالدين»، لا عناء في البحث عنهم وعن آثارهم. وهم لا ينضبون. والعودة إليهم، استعادة لزمن مرصّع من الفكر والفنون وسحر الحياة.
شئنا أو أبينا، مصر هي مكتبتنا القومية في القرن الماضي. فيها بدأت الحركة ضد الاستعمار، وفيها بدأت النهضة بكل وجوهها، ومن بوابة القاهرة والإسكندرية، دخل العالم العربي أروقة العصر. دخلها على الطريقة المصرية التي لا شبيه لها.
ألم يقل نجيب محفوظ لمحمد حسنين هيكل عندما سأله لماذا لا يذهب إلى تسلم جائزة نوبل بنفسه، ماذا قال؟ ألم يقل له: «إزاي أروح السويد يا محمد، ما أنا زي ما أنت عارف، بروح القهوة كل يوم».
إن بين الكتب المرسلة من دار الشروق واحد بعنوان «يوسف وهبي: سنوات المجد والدموع»، للكاتبة راوية راشد. يا سلام. يا سلام. أو بالأحرى، يا للهول، يا للهول، كما كان يقول فتى المسرح العربي الأغر، حتى ذهبت مثلاً. ليس من الضروري أن تكون قد عشت بنفسك مرحلة البيه يوسف، ابن الباشا عبد الله وهبي، مالك الأطيان والأفدان في زمن السلطان.
سوف تنتقل مع البيه الذي باع حصته من ثروة أبيه وباع أساور دادته رتيبة الموازية لأمه، من أجل أن يبني مسرحاً يرفع به مستوى الحياة المسرحية في مصر. يا للهول، قال والده الباشا: ابني مشخصاتي؟ هذه أوائل القرن العشرين، والفن مزدرى في مصر، والرقص فقط للأجنبيات. وقد أحب يوسف، أول ما أحب، واحدة ست أميركية. ثم سوف يعشق كثيرات. ثم سوف يثري ويفتقر. وعندما تصل السينما الصامتة إلى مصر، سوف يرفضها: لقد ولد للمسرح، تتزعزع الخشبة من تحته وهو يصرخ: «يا للهول»، أو «شرف البنت يا هانم زي عود الكبريت، ما يتولعش غير مرة واحدة».
عصر يوسف وهبي، ومعه نجيب الريحاني، و«البريمادونا» روز اليوسف وزوجها زكي طليمات، وجورج أبيض، وعزيز عيد، وأميرة عزيز، وحسين رياض، ومحمود المليجي، ومحمد كريم وأضواء شارع عماد الدين، وثورة سعد زغلول وسيد درويش و... «هوّا انتي داهنينك قشطة - ولا إيه... ولا إيه... يا كيكي كيكو».