بقلم: سمير عطا الله
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب جدلاً واسعاً عندما قال إن كوكب المرّيخ هو جزء من القمر. وفوجئ علماء وكالة الفضاء - والأرجح جميع الوكالات أيضاً - بمعلومات ترمب الفلكية. إذ يبدو أن الثابت لديهم أن المرّيخ كوكب مستقلّ يبعد عن القمر 140 ميلاً على وجه التحديد. ويبدو أنه تمّ التأكّد من ذلك عندما قام الأميركيون بأول رحلة إليه قبل خمسين عاماً. ومن محاسن المصادفات أنني اكتشفت أن ثمّة توارداً في الأفكار بين معلومات ترمب ومعلومات بعض العلماء العرب.
فازت الكاتبة والأكاديمية العُمانية جوخة الحارثي بجائزة «بوكرمان» لهذه السنة، على روايتها «سيدات القمر». مجرّد نجاح آخر من النجاحات المثيرة التي تحقّقها «دار الآداب» في البحث عن الأدباء الجدد. وبعد قراءة ثانية وثالثة لـ«سيدات القمر»، لم أستطع حتى الآن أن أبني حكماً نهائياً عنها. أحياناً أراها مأساوية أكثر مما يحتمل النص الأدبي. وأحياناً أراها فاضحة بلا ضرورة. وأحياناً أرى أنه عمل يكشف للغرباء صورة حقيقية للمجتمع العُماني قبل أن يدخل الحداثة والتطوّر المذهل نسبياً الذي عرفته السلطنة منذ مجيء السلطان قابوس.
في أي حال، تبقى صياغة الحارثي ضرباً من ضروب الأدب الجميل ووصفاً شاعريّاً يجعل الصناعة الروائية في ذروتها. وبقدر ما أعرف، ليس هناك من تصوير للمجتمعات العربية، بالدقّة والرقّة التي تصوغها. وثمّة حنان كثير تقوم عليه الرواية، ولعلّه حبكتها الأساسية، أو السبب الذي وُضعت من أجله. حنانٌ على حياة العبيد والعبدات وعلى الشقيق المولود منغوليّاً، والشقيقة التي تعيش مهجورة من زوجٍ بعيد. ربما تمتلئ جميع مجتمعات العالم بقصص من هذا النوع. لكن المفاجئ فيها هنا أن نعرف بها، وبالطريقة التي تحيكها وتلوّنها صاحبة الجائزة.
في إحدى صوَرها الجميلة، تتحدّث الحارثي عن أوراق للقاضي يوسف بن عبد الرحمن. جاء فيها: «اعلم أن الكواكب كلّها تفرغ جواهرها في القمر، والقمر يفرغها في الماء، ومن الماء ينقسم في الجواهر كلّها، والقمر هو الخازن لما في العلوّ والسفل، وينقل من الأعلى إلى الأسفل، والقمر أشبه الكواكب بأمور الدنيا، ولشدّة مشابهته بها صار دليلاً على كلّ الأمور، واحفظ حال القمر فإن صحّته صحّة كلّ شيء، وفساده فساد كل شيء، وذهاب القمر إلى كوكب يقوّي ما يدلّ عليه ذلك الكوكب، وانصراف القمر عن كوكب يضعف ما يدلّ عليه ذلك الكوكب، وإذا كان القمر زائد النور متّصلاً بالمرّيخ، فهو أجود ما يكون، وإذا كان القمر ناقصاً في النور واتّصل بزُحل أو ذهب إليه فهو أردى ما يكون».