بقلم: سمير عطا الله
ألقى الرئيس جمال عبد الناصر بعد نكسة 1967، خطاباً شهيراً قال فيه مبرّراً المفاجأة التي أدّت إلى تدمير السلاح الجوّي المصري: «انتظرناهم من الشرق فجاءوا من الغرب». أثار التبرير، كما أثارت النكسة نفسها، الكثير من النقد. ولم تدرك العامّة ماذا كان يعني بتلك الجملة ولا هو أقدم على شرحها. أما الحقيقة العسكرية، فقد أراد القول إن الطائرات جاءت من القواعد البريطانية والأميركية في ليبيا المجاورة. ففي تلك الأثناء، كانت الولايات المتحدة تحتفظ بأكبر قاعدة لها خارج أراضيها، قرب بنغازي وتُسمّى «ولّيس» أو «الملّاح». أما بريطانيا فقد استبقت منذ الحرب العالمية الثانية قواعد كثيرة، أشهرها في طبرق.
أراد الرئيس الراحل القول إن ليبيا هي نقطة ضعف مصر الاستراتيجية. واليوم يحاول الأتراك الالتفاف على مصر من الأراضي الليبية بطريقة ساذجة ومؤلمة معاً. فالسلطان الذي حاول الاستيلاء على القاهرة من خلال الدكتور محمد مرسي وإخوانه، سوف يكون من الصعب عليه الوصول إليها عن طريق الإخوان الليبيين. كل ما سوف يصل إليه هو المزيد من التفكيك والتفتيت في الدولة الليبية كما حصل ويحصل في الجمهورية السورية. وأكثر من يدرك مساوئ هذه العبثية هم السياسيون الأتراك الذين يحاولون بكل الوسائل الحدّ من هذه المغامرات الإمبراطورية التي تدمّر البلاد من الداخل أكثر مما تفيدها في الخارج. ويشارك رجب طيّب إردوغان في هذه التخيّلات، سياسيون ليبيون أخفقوا في تحقيق خطوة صحيحة واحدة منذ سقوط القذافي، رغم المؤازرة التي تلقّوها من الغرب والشرق.
يخوض إردوغان صراع الطواحين في كل مكان مثل دون كيشوت ويضع نفسه ودولته في مواجهة جميع الأمم بما فيها الولايات المتحدة، حليفة الأمس منذ أيام أتاتورك. وحتى الآن، لم يسجّل فوزاً واحداً في أي مكان. وإنما على العكس تماماً، تتحوّل أحلامه الخارجية إلى كابوس داخلي كما هو الحال تماماً في إيران. وسوف يكتشف أن لعبته الأكثر خطورة هي محاولة ضرب الحصار حول مصر. أولاً من داخلها حيث مُني بخسائر مهينة، والآن من جوارها الضعيف، ومن خلال سلطة هزيلة ومفكّكة تتعرّض هي بدورها للسقوط. بعد خروج تركيا من عزلتها الطويلة بُعيد الحرب العالمية الثانية، توقّع الجميع أن تجد في ديارها السابقة حلفاء وشركاء يعزّزون المستقبل المشترك. لكن منذ مجيء إردوغان، تحوّل كل شيء إلى قتال وعسكر وحروب خاسرة. ولست أدري أي حكمة تدفع الرئيس التركي إلى معاداة اثنتين من كبرى الدول العربية والأفريقية والإسلامية، أي مصر والسعودية. بل الحقيقة أننا لا نعثر على حكمة بأي مكان، وقد نكتشف غداً أن ثمن الرعونة أضخم بكثير مما نخشى.