بقلم: سمير عطا الله
قبل أيام، كتب حكيم «المصري اليوم»، «نيوتن» أن ذروة الغباء هو الرجل الذي لا يعرف حدود نفسه. يسقط الديكتاتور عندما لا يعود يقبل الحقيقة أو يصدقّها، ويصرّ على شيء واحد هو تخيّله للواقع كما يريده. تحوّل رجب طيب إردوغان من «مؤذّن إسطنبول» إلى رئيس وزراء تركيا، ثم إلى رئيسها، وإلى زعيم أكبر أحزابها منذ أتاتورك، ولم يكتفِ. التقدّم أصابه بالطمع بدل أن يرضيه بالقناعة. ولم يقبل بالزعامة، بل أصرّ على المعصومية. فلما قال الناخبون رأيهم في سلوكه الجديد، رفض أن يصغي وأصرّ على أن تعيد إسطنبول النظر في اقتراعها. ولما فعلت، حوّلته من خاسر عادي إلى خاسر مُهان.
هي التي حوّلته من بائع عصير إلى زعيم للبلاد، عادت، يوم تحدّاها، فنزعت منه الهيبة، وأعطته درساً تاريخياً في تحدّي إرادة الشعوب. لم يستطع إردوغان أن يدرّب نفسه على فهم الديمقراطية. ولم يتعلّم دروسها. والدرس الأول فيها أنها مثل الدهر، يوم لك ويوم عليك.
أسوأ ما حصل لإردوغان، ليس أن تخذله تركيا، بل إن توجّه إليه إسطنبول الإهانة بعد الخسارة. فعندما رفض تقبّل الخسارة وقرّر إهانة الناخبين، أدرك كل إنسان في العالم، إلا هو ووعّاظه (وعّاظ السلاطين)، أن المدينة ستربح المبارزة.
مشكلة الرجل اعتقاده أن الديمقراطية طريق في اتجاه واحد. وقد امتلأ بنفسه حتى أصبح معلّماً في الديمقراطيات، يعطي الدروس للجميع. وقد رأى في «الإخوان» مثالاً على الديمقراطية يجب تعميمه. وجعل من إسطنبول مركزاً لتوزيع الدروس والمناهج على دول مثل مصر والأردن وسائر البلاد العربية. ومن أجل دعم هذه الدروس، أرسل قوّاته إلى سوريا والعراق وليبيا.
نهايات الغرور متشابهة في الأمكنة والأزمنة. عمد إردوغان إلى قلب تركيا من مواقعها، معتقداً أن أحداً لن يجرؤ على الاعتراض. جاءه الفيتو الأهم من المدينة التي كانت توأمه يوم كان يعد بسياسات عاقلة ويتصرّف كرجل دولة في بلد بحجم بلده. ومن ثم فقدَ بوصلة الدول وأصول الحكم. وطار صوابه عندما بلغه أن ثمّة من يتآمر على مجده و/ أو حديته. وملأ سجون تركيا بالسجناء، وشوارعها بالمطرودين من وظائفهم وأعمالهم. وفي السياسة الخارجية، أبعد تركيا عن أحلافها القديمة في أميركا وأوروبا والدول العربية، ونقلها إلى حلف مع روسيا وإيران وقطر.
إسطنبول أبلغته رأيها في سياسته الداخلية والخارجية معاً. وكذلك فعلت أنقرة من قبل. وأفهمته أن الاقتصاد الحر، لا يقوم على العزلة والديكتاتورية. ولا يفيده أن يدعو إلى انتخابات ثالثة في مدينة الصدر الأعظم. بل عليه أن يخشى منذ الآن الانتخابات العامة المقبلة، والتي قد يدعو إليها خوفاً من قراءة النتائج.