بقلم: سمير عطا الله
يقول المثل الأميركي «المهم المغني، وليس الأغنية». بعد ظهر الأربعاء قررت مسبقاً أنني سوف «أتفرج» على مؤتمر كارلوس غصن الصحافي، وليس «سأحضره». يحدث ذلك في حالات كثيرة، خصوصاً عندما يكون الرجل «نجماً»، وعندما يكون المتهِم (بكسر الهاء) دولة كبرى تلاحق متهمها إلى دولة صغيرة، في قضية لا شبيه لها من قبل.
في الوقائع: المتهم رجل لبناني مولود في البرازيل (محافظة لبنان)، درس في فرنسا، نجح فيها نجاحه الكبير، ثم في اليابان نجاحه الأكبر، وفيها سجّل نجاحه الأسطوري بالفرار من خلال كل الشبكات الإلكترونية.
هل يبقى مهماً ماذا سوف يقول؟ الجميع يعرف ماذا سوف يقول. لكن كيف؟ يصل كارلوس غصن إلى نقابة الصحافة عريض الكتفين، فولاذي العصب، يلقي بالإنجليزية دفاعاً عن النفس يزيد على الساعة، ثم يتطلع في الصحافة العالمية: الأسئلة من فضلكم. يجيب عن أسئلة الفرنسيين بالفرنسية. على العرب بالعربية. على الإنجليز بالإنجليزية. على البرازيليين بالبرتغالية. على اليابانيين باليابانية. وعلى روبرتو الإيطالي بالإيطالية.
لا أعرف عدد الأسئلة التي طرحت على كارلوس غصن. كل إجابة حاضرة وسريعة. سواء عن غصن الياباني، أو البرازيلي، أو الفرنسي. حتى عندما سئل عن زيارته إلى إسرائيل لم يتلعثم. ماذا أريد أن أقول؟ هذه ليست تغطية لمؤتمر صحافي أو ما جاء فيه. هذه دعوة إلى مشاهدة Leader من زعماء الصناعة في العالم. هذا هو «المدير». ساعتان دون توقّف. دون تمهل. دون انهزام أمام أي سؤال. لكي تعرف كيف لابن مهاجر لبناني بسيط أن يتقدّم كبار الصناعيين الغربيين واليابانيين، يجب أن تتفرج عليه في مؤتمر بعد ظهر الأربعاء 8 يناير (كانون الثاني) 2020. Leader. ثم Leader. يقارع قانون اليابان. واقتصاد اليابان وثعالب الشركات الكبرى. عريض الصدر عالي الصوت، عالي المعنويات كأنما كارلوس غصن هذا ليس كارلوس غصن الذي مرّت أعصابه في رحلة خفية من اليابان إلى لبنان. في صندوق موسيقى. في طائرتين خاصتين. في أجواء المحيطات. حاولت البحث عن ملامح إرهاق على وجهه، عن علامة هبوط نفسي. لكنه مقلع أبداً وعريض الصدر، ويتنقل من لغة إلى أخرى، كما كان يعدو يوم كان فتى في فريق كرة القدم، في فرن الشباك، يومها، ضاحية من ضواحي الناس العاديين في بيروت.
ما من مرة كان هذا الرجل عاديا بعد فريق الكرة الذي يضم أبناء الحي، من دون لباس رياضي. كان اللباس الرياضي فوق الإمكانات. «صندوق فرجة»، مواطننا العزيز. برازيل. فرنسا. اليابان. والآن، الأشرفية، قرب المطعم الياباني.