بقلم : سمير عطا الله
بدأ شارل حلو حياته المهنية صحافياً باللغة الفرنسية في حلب، ثم عاد إلى بيروت كاتباً في صحيفة «لوجور». ومن الصحافة انتقل إلى الوزارة، فحمل أكثر من حقيبة، لكنه لم يخض معركة نيابية ولم يكن خلفه حزب أو تكتل. العام 1964 أراد الجنرال فؤاد شهاب أن يخلفه في رئاسة الجمهورية رجل ضعيف ومطواع، فلم يجد من يتمتع بهذه المواصفات أفضل من شارل حلو.
لكن شارل حلو الضعيف، كان أيضاً شارل حلو الداهية والبالغ الثقافة والذكاء، وخصوصاً الماكر في غابة سياسية، غارقة في الوحول والتحولات. وبعد قليل من وصوله إلى الرئاسة، فوجئ فؤاد شهاب وحزبه بأن الرجل الضعيف صلب، عنيد، ولا يلين.
دب الخلاف بين الفريقين فيما راح لبنان يمر بأول أزماته الكبرى قبيل الدخول في الحرب الأهلية. وتطلع شارل حلو حوله، فرأى نفسه معزولاً، تغرقه الإشاعات والحملات. فإلى من يلجأ في توضيح المسائل وتصحيح الافتراء؟ تذكر شارل حلو الصحافي، ولم يتردد لحظة في العودة إليه.
يروي ابن شقيقته، المحامي جو خوري الحلو في كتاب حديث «شارل حلو واتفاق القاهرة» (دار سائر المشرق)، أن الرئيس راح يكتب الافتتاحيات في صحيفة «الأوريان لوجور» بتوقيع مستعار هو XXX. إلا أنه ترك القارئ يحزر في الوقت نفسه أن الكاتب هو رئيس الجمهورية.
بعد خروجه من الرئاسة انصرف حلو، الذي لم يرزق عقباً، إلى الحياة في الكبيرتين: عزلته ومكتبته. ولم يبهرني في حياتي مشهد مكتبة خاصة مثل مكتبته، التي تبرع بها، بعد وفاته، لجامعته. لا يخرج الصحافي من هذه المهنة الممتعة حتى لو أصبح رئيساً للدولة. وهكذا، عاد شارل حلو إلى كتابة زاوية يومية في «الأوريان لوجور» التي بدأ فيها حياته صحافياً شاباً. لكن الآن لم يعد يسهر وراء مكتب الأخبار حتى الفجر، بل يرسل مقالته القصيرة مع السائق، مقالة منحوتة، مكثفة، موشاة، ومليئة بخبرة الحكم ومرارته.
على غلاف الكتاب صورة أمام الإليزيه للرئيس حلو وزوجته مع شارل ديغول ورئيس وزرائه جورج بومبيدو وزوجتيهما. يقال إن الاثنين، لم يتأثرا برئيس دولة أجنبية، كما باللقاءات مع شارل حلو. وما أسهل أن يصدق المرء هذا القول. لقد كان جبلاً من ثقافة وفكر، وبحراً من اللمحات.
نقلاً عن الشرق الآوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع