بقلم: سمير عطا الله
هم أساتذتنا وعلماؤنا ولا شك أنهم على حق. ولست أجادل فيما قرروا، وإنما هو مجرد رأي وجداني. أشرت من قبل إلى أن مصر بدّلت وزارة المعارف بوزارة الثقافة. والمعرفة أهم لأنها لا نهاية ولا حدود لجذورها وجذوعها. المصطلح الآخر كان إبدال وزارة الحقانية بوزارة العدل، وهو المصطلح الأكثر شيوعاً واعتماداً في العالم. لكنّ المعنى واحد، والإطار واحد، والقانون واحد أيضاً. كل ما في الأمر أن الحقانية فيها تشديد أكثر وثقة أكبر وتشبه مصر أكثر.
في لبنان، كان عندنا «وزارة التربية والفنون الجميلة». ألغينا «الفنون الجميلة» وألحقناها بعنوان عمومي بارد هو وزارة الثقافة. «الفنون الجميلة» كانت علامة خاصة من علامات لبنان. التميّز في الرسم والنحت والموسيقى والمسرح، وكلياتها وأساتذتها ومبدعيها.
الفنون كثيرة في الحياة. الطبخ فن. شق الطرقات فن. تطوير الزراعة فن. هل سمعت عن لوحة تمثل شجرة حور أو سنديان أو صنوبر، تباع بثلاثين مليون دولار؟ هل رأيت لوحة تمثل قنبيطاً وملفوفاً وجرجيراً؟ الجمال ليس أهم ما في الحياة، لكنه أجملها. وتدور مليارات الدولارات كل عام حول لوحات الطبيعة، ويتقاضى الرسامون الملايين عن رسم زهرة، أو وردة، فيما تظل مواسم الحصاد على ثمنها البدائي. هل قرأت قصيدة عن قنبيط. أو سمعت شاعراً يهتف يا ملفوفتي؟ إلى الآن لا يزال صوت أسمهان يغني: دخلت مرة الجنينة - أشم ريحة الزهور - واسلّي نفسي الحزينة - واسمع نشيد الطيور.
تخيلها دخلت الحديقة لكي تقلع توليفة تبولة: بقدونس وبصل وبندورة. طبعاً نستطيع أن نعيش من دون بنفسج، لكننا لا نستطيع أن نحيا من دون زراعة. البدهيات ليست موضع نقاش. النقاش حول دقة التعابير: المعارف أم الثقافة، الحق أم العدل، الفنون أم الفنون الجميلة، التي جاءتنا في الأساس من عند الفرنسيين الذين كان أحد خريجي كلياتهم جبران خليل جبران. هل تدري ما قيمة لوحة من جبران اليوم؟ لا ندري. قلائل يدرون. وحتى أعمال الفنانين العرب الحديثين أصبحت لها أثمان غير متخيلة. وكان يقال إن «العراق رَحِم الشِّعر». وأعتقد أنه رَحِم الرسم أيضاً. وبعكس الغناء الحزين والمواويل البكائية، تبدو ألوان الرسم العراقي فرحة مبهجة وعبقرية.