بقلم: سمير عطا الله
انقطعتُ منذ سنوات عن حضور مهرجان أصيلة بكثير من الندم والحنين. يصادف موعده فترة أكون فيها خلف الأطلسي، فيما هي أمامه، بلدة ملوَّنة كانت ميناءً صغيراً للصيد، وأصبحت منذ نصف قرن ميناء له منارة، وأصبح المهرجان إدماناً سنوياً وملتقى للنقاش والتعارف بين القادمين من مشارق العرب ومغاربهم.
وأعترف أن في برنامج أصيلة ثراء فكرياً مضافاً، لأن المعارف والثقافات مثل إسفنج البحار، لا تملأ ولا تمتلئ. غير أن أهم ما في المحاضرات والندوات واللقاءات، الحوارات مع صاحب المهرجان ومرافقته، ومحاولة اللحاق بحيويته في تنظيم وتنفيذ هذا الغنى الثقافي.
كان المغرب يبدأ بالنسبة لمثقفي العالم، من طنجة. مدينة اجتذبت كبار كتّاب أميركا وشعرائها ومسرحييها. وأغرت الفنانين الفرنسيين والإيطاليين والبريطانيين. ثم خطر لرجل من جارتها الصغيرة أصيلة، أن تشارك بلدته الصغيرة «نداء الأطلسي» واحتضان الشعراء.
ونجح محمد بن عيسى في إعادة رسم أصيلة على ساحل المغرب. ولم يبعده عن بلدته ومهرجانها شيء: لا يوم أن أصبح سفيراً في واشنطن، أو وزيراً للإعلام، أو وزيراً للخارجية طوال ثماني سنوات في حكومات الحسن الثاني.
لعله كان في نظر العاهل الراحل نموذج التلميذ الذي اكتشف أنه نجح في حفظ الدرس وفاق. البلاغة العربية، وانطلاقة في اللغات الغربية، والأناقة الكاملة في المظهر، وذكاء الدبلوماسية، إضافة إلى شغف الأدب والثقافة.
أعطى محمد بن عيسى صورة المغربي الجديد في الوقت الذي كان الحسن الثاني يعيد رسم صورة المملكة بعدما أصابها من اضطراب بسبب الشطط الذي أظهره بعض وزرائه. وهذه الصورة رآها تتطور وتتأكد أمامه في الشاب الذي دخل القصر موظفاً صغيراً.
وكان أول أمر أصدره إليه يوم استدعاه ليقول له: سيارتك عتيقة جداً يا بن عيسى. وهذا يشعرك بعقدة أمام الموظفين الآخرين. لقد أمرت لك بسيارة جديدة! اتفقت مرة مع سي محمد على حوار في كتاب عن تجربته مع الحسن الثاني. وحالت ظروفي دون احترام الاتفاق. أما الرجل، أو «الخل»، فازداد عندي احتراماً وتقديراً ومودة كل مهرجان، حضرت أو خالفت وتخلّفت.