بقلم: سمير عطا الله
تحذير: المقال التالي خالٍ من أي أفكار استراتيجية أو تحاليل جيوسياسية أو نظريات ما فوق الكهرومائية. ثم إنّ الموضوع نفسه لم يعد يهمّ أحداً إلّا المعنيين مباشرة. والدليل أن لا ذكر له في الصحف والوكالات ومواعيد الرحلات، مع أنّه يُفترض أن يكون من أبرز الأخبار.
لا أذكر في حياتي المهنية أنّ حدثاً في هذه الأهمّية يقابَل بمثل هذه اللامبالاة. أي، اتفاق السلام المتوقّع بين «طالبان» والولايات المتحدة. ربما لأنّ أحداً لا يصدّق بأنّ الاتفاق ممكن. أو مجرّد هدنة أو هبة أخرى في هدنات وهبات كثيرة. أو ربما لأنّ العالم نسي أنّ هناك حرباً تخوضها أميركا والحلف الأطلسي مع دولة تقيم في أعالي الجبال الباردة والقحط هو وعرها الوحيد. لا أريد للأميركيين والأطلسيين وسائر الحلفاء أن ينسحبوا من كابل وهلمند ودشت قبل أن يقولوا لنا ما الذي يحملهم إلى هناك من نيويورك ولوس أنجليس وسان فرانسيسكو.
لقد رأيت تلك البلاد فقط في كتب التاريخ والوثائقيات. ودائماً كنت أعتقد أنّ من كان ليس هذا قدره يصعب أن يكون هذا قراره. بلاد شاقّة ولا تزال تفضّل حياة القرون الماضية وتتمتّع بها وتحارب بسببها، فماذا يحملك أنت ابن بلاد البوينغ ومصانع السفن الفضائية على المجيء إلى بلادنا، حيث نزرع 90 في المائة من أفيون العالم؟
ألم ترَ ماذا حدث للسوفيات من قبل؟ عشرة أعوام ومليارات الخسائر وآلاف القتلى؟ إنّ السذاجة التي حملتهم من موسكو وسان بطرسبرغ ومركز إطلاق الصواريخ في فلاديفوستوك، هي التي حرّكت فيك العنفوان العبثي. كلّ أساطيلك لن تجعلنا نحبّ الموسيقى أو السماح للمرأة بالقراءة وفكّ الأحرف.
ربما يأتي يوم يدرك كلّ فريق ما فعل. ربما أيضاً لا يأتي. فقط من قبيل الواقعية والدروس التاريخية. وعندما نتحدّث عن التعليم والجبال الرافضة لهذه الخطيئة، يجب أن نتذكّر فوراً أشرف غني، الأستاذ الجامعي والمرشّح لأمانة الأمم المتحدة. هذا الرمز العلمي هو رئيس أفغانستان، طالب الجامعة الأميركية في بيروت، الذي تزوّج من زميلته رلى سعادة، التي كانت رفيقته لاحقاً في جامعة كولومبيا.
منذ 1978، وأفغانستان في مهبّ الجروح وصراع الأمم. لذلك؛ لا يزال بعضنا غير مصدّق نبأ «صفقة السلام» التي أعلن عنها ترمب يوم الأحد. هل هذا معقول حقاً، بعد كلّ تلك السنوات، والحروب، والجرود، والقادمين من موسكو، والقادمين من نيويورك. يا لها من لوحة سوريالية في تاريخ العالم.