بقلم : عماد الدين حسين
أتمنى أن تشهد الأيام المقبلة الإفراج عن كل ما تم القبض عليه فى المظاهرات الأخيرة باستثناء الإرهابيين والمحرضين على العنف.
ومن الأمور المطمئنة فى هذا الصدد، الفقرة التى وردت فى البيان المهم للنائب العام المستشار حمادة الصاوى يوم الخميس الماضى، وجاء فيها: «النيابة ما زالت تستكمل إجراءات التحقيق وصولا للحقيقة، وتحقيقا لدفاع المتهمين، ولذلك يعكف المحققون على مشاهدة تسجيلات آلات المراقبة والاطلاع على ما يرد من تقارير فنية حتى يتسنى التصرف فى المتهمين ليفرج عمن وضعوا أنفسهم بموضع الشبهات، غير قاصدين ارتكاب جرائم، ولينال كل مرتكب جريمة جزاءه العادل».
طبقا لبيان النائب العام، فإن من تم التحقيق معهم حتى يوم الخميس لم يتجاوز الألف متهم، فى حين أن بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية، تتحدث عن أن عددا ممن تم القبض عليه سواء خضع للتحقيق أم لا يزال منتظرا، يزيد على 1500 شخص.
كلام النائب العام مبشر ومطمئن جدا، وانطلاقا منه أعرض لوجهة نظر خلاصتها أن الإفراج عن أى متظاهر ما عدا ــ المتطرفين والإرهابيين ــ سوف ينزع فتيل احتقان كبير للمتهم ولأسرته ولأصحابه، والعكس صحيح تماما.
مرة أخرى لا أتحدث عن المتظاهرين الذين مارسوا العنف أو حرضوا على التخريب، بل عن أولئك الذين تم التغرير بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى أو لأسباب اقتصادية واجتماعية.
علينا أن نفرز ونفرق بوضوح بين هؤلاء وأولئك الإرهابيين والمتطرفين، الأول أخطأ حينما تجاوز القانون، لكن يمكن تفهم دوافعه المعيشية الصعبة جدا، فى حين أن الثانى الإرهابى والمتطرف، يريد «جنازة ويشبع فيها لطم».
الإفراج عن كل من شارك بحسن نية فى المظاهرات، ليس فقط فى صالح المفرج عنهم فقط، ولكن فى صالح الحكومة والنظام أيضا، ليس من المصلحة العامة أو مصلحة النظام زيادة عدد المقبوض عليهم أو المسجونين، والسبب أن استمرار احتجازهم أو سجنهم يعنى استمرار وجود مأساة فى بيت كل واحد منهم، بل قد يجعلهم ينضمون إلى المتطرفين، والأخطر أن كل أقاربهم وأصحابهم ومعارفهم سيدخلون فى خصومة مفتوحة مع الحكومة والنظام.
لن تستفيد الحكومة أو حتى أجهزة الأمن شيئا من استمرار سجن هؤلاء، طالما تم التأكد أن نواياهم سليمة، وليس لديهم ارتباط بالإرهابيين أو المتطرفين، أو طالما تبين أن وجودهم فى أماكن الأحداث كان عرضيا وليس مخططا.
وجود هؤلاء فى السجون هو أفضل هدية نقدمها للمتطرفين، أولا، قد يتم استقطابهم وتجنيدهم داخل السجون، وثانيا سيعنى ذلك أننا نعطى المتطرفين ذخيرة بشرية جديدة، وبدلا من إقناع المتطرفين بالتوبة أو ردعهم بالقانون، فإننا نقوم بزيادة القاعدة المجتمعية للمتعاطفين معهم.
حينما يتم القبض على مواطن عادى بالخطأ، فإن أهله وأصدقاءه سوف يتضامون تلقائيا مع كل المساجين حتى لو كانوا من داعش.
المطلوب أن نحصر المعركة مع المتطرفين، ولا نوسعها بإضافة المزيد من المسجونين العاديين، الذين ليس لهم ميول سياسية، بل مجرد صرخات أنين من الأوضاع الاقتصادية.
سيسأل البعض ويقول إن معنى كلامى هو دعوة لعدم تطبيق القانون على الجميع، خصوصا أن المقبوض عليهم يعرفون أنهم خالفوا قانون التظاهر!!!.
نظريا الكلام صحيح، لكن نحن نتحدث فى السياسة وليس فى نص القانون الحرفى، وبالتالى فالهدف الجوهرى هو إنهاء الاحتقان عبر تقليل عدد المساجين وليس زيادته، طالما أن المفرج عنهم، لن يتسببوا فى ضرر للمجتمع.
لا أحد يعترض على تطبيق أشد أنواع العقاب على الإرهابيين المجرمين، لكن نحن نتحدث عن حالات لمواطنين عاديين تواجدوا بالخطأ فى مسرح الأحداث أو تم التغرير بهم.
والترجمة العملية لهذا الكلام هى الإفراج بإذن الله، عن غالبية المقبوض عليهم باعتبارهم فعلا، تم التغرير بهم، أو عبروا بعفوية عن ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة جدا.
ومن الأمور المبشرة أنه تم الإفراج أمس الأول عن عدد لا بأس به من المقبوض عليهم الذين لم يعرضوا على النيابة، وفى هذا الصدد أتمنى أن يتم الإفراج عن كل السياسيين والصحفيين والكتاب والأدباء والشعراء والفنانين الذين تم القبض عليهم فى الأيام الأخيرة.
أتمنى وأتعشم أن نسمع فى أقرب وقت ممكن قرارا بالإفراج عن كل المقبوض عليهم ــ بخلاف المحرضين والمخربين ــ حتى يمكن الانطلاق إلى مناخ جديد ومختلف فى كل المجتمع.