بقلم: عماد الدين حسين
المقياس الحقيقى لمعرفة مدى حب الناس لمسئول معين، هو حينما يغادر المنصب وليس حينما يتولاه. وبهذا المقياس فإن الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن السابقة تتمتع بحب كبير لدى غالبية الناس.
أعرف هذه السيدة المحترمة منذ توليها وزارة التضامن فى حكومة المهندس إبراهيم محلب الأولى فى مارس ٢٠١٤، هى دائمة الابتسام لم أراها «مكشرة» رغم الهموم الكثيرة التى يمكن أن تصيب مسئول فى نفس منصبها!.
هذ الوزيرة كانت الأكثر اجتهادا، وتذكرك بالسيدات المصريات العظيمات اللاتى تولين مناصب عامة وتركن بصمات واضحة مثل عائشة راتب.
فى مرات كثيرة كنت أراها فى الصباح الباكر جدا، حينما تكون هناك أنشطة لرئيس الجمهورية، تركب طائرة عسكرية متجهة إلى الفرافرة أو سيناء أو سفاجا، وفى مساء نفس اليوم أراها تحضر حفلا فى دار الأوبرا.
هى مدمنة للموسيقى الأصيلة وتعشق فيروز، وتستطيع أن تقسم وقتها بحيث تعمل بجد نهارا فى الوزارة، وفى المساء تستمتع بحفل أو مهرجان.
هى قارئة مهتمة وتتابع ما يكتب فى الصحافة المصرية والعالمية، كنت أتلقى فى مرات كثيرة رسائل منها على هاتفى، تعلق فيه على ما أكتب، وهو ما كانت تفعله أيضا مع بعض الكتاب الآخرين، لم تكن من نوع المسئولين الذى «يتجبر أو يتفرعن أو يتمنظر» على الإعلاميين، بل كانت على علاقة طيبة مع الجميع.
فى مساء الإثنين الماضى، تلقيت دعوة من هانى عزيز رئيس جمعية «محبى مصر السلام»، وطلعت عبدالقوى رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية لحضور حفل تكريم لها بمناسبة قرب سفرها إلى فيينا لتولى منصبها الجديد مديرا تنفيذيا لمنظمة الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات فى فيينا.
فى هذه الليلة أدركت أحد أسباب حب الجميع لغادة والى، وجدت عشرات الوزراء الحاليين والسابقين، وأكثر من خمسين نائبا ونائبة برلمانية، وعشرات الشخصيات العامة، من كبار المسئولين والمثقفين والكتاب والإعلاميين، وقادة وزارة التضامن الاجتماعى، كل هؤلاء تحدثوا بحب وصدق عن هذه السيدة التى ستترك بصمة يصعب نسيانها فى العمل العام.
فى هذه الليلة قابلت والد ووالدة الوزيرة، الوالد هو الدكتور فتحى والى، نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، عميد كلية الحقوق بها وصاحب مؤلفات مهمة فى القانون والمحاماة. هذه البيئة ربما تفسر أحد أسباب الثقافة الرفيعة التى تتميز بها غادة والى، إضافة إلى أنها بدأت العمل العام منذ فترة طويلة، خصوصا فى المناصب الدولية الكثيرة التابعة للأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، وبحكم منصبها وزيرة للتضامن، كانت تشغل العديد من المناصب مثل رئيس مجلس إدارة كل من الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعى، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، والمجلس القومى لمكافحة الإدمان، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، والعديد من المناصب الأخرى.
وبسبب برنامج الإصلاح الاقتصادى وتداعياته المؤلمة، كان لزاما أن يكون هناك برنامج للحماية الاجتماعية، خصوصا للفئات الفقيرة، وهو الدور المهم الذى نفذته بمهارة غادة والى ــ فى حدود ما هو متاح من إمكانيات ــ من خلال برنامجى تكافل وكرامة، الذى وصل إلى ٣٫١ مليون أسرة تضم ١٢ مليون مواطن، إضافة إلى بعض المبادرات المهمة الأخرى، مثل «سكن كريم» وتوصيل الغاز إلى المنازل، وإقامة المشروعات متناهية الصغر، وتطوير ٧٣ فرعا لبنك ناصر وزيادة الحد الأدنى للمعاشات، وإنجاز قانون التأمينات الموحد وحماية ١٦ ألفا من «أطفال بلا مأوى» وتطوير ٤٢٧ وحدة اجتماعية جديدة، و٥٠٠ حضانة لرعاية الأطفال وانقاذ ٤٢٠٠ متشرد، ومبادرة «٢ كفاية».
ولا ننسى حملات مكافحة الإدمان التى شارك فيها كبار النجوم مثل محمد صلاح ومحمد رمضان.
ويحسب لغادة والى دورها فى قانون الجمعيات الأهلية، ولا يعرف كثيرون أن المسودة الأولى للقانون القديم التى قدمتها غادة والى، كانت أكثر تقدما نسبيا بمراحل من النسخة الكارثية التى أقرها البرلمان، قبل أن يتم إصدار نسخة معدلة، بعد نقاش لا بأس به فى وزارة التضامن.
بالطبع غادة والى ليست سوبر مان، وما كانت لتنجح لولا الجهد الكبير لفريق عمل متفانٍ فى وزارة التضامن فى مقدمته الوزيرة الحالية نيفين القباج ود. عمرو عثمان وكثيرون، إضافة إلى دعم الحكومة والرئاسة لها، ودعم آخرين خارج الوزارة، لكن بالطبع فإن برنامج تكافل وكرامة، وغيره من البرامج المماثلة لا يمكن أن يقضى على الفقر بمفرده، لأن ذلك يحتاج موارد كثيرة جدا، وسياسة اقتصادية مختلفة تعالج جذور المشاكل لا فروعها.
غادة والى نموذج محترم للوزيرة التى خرجت من رحم العمل الأهلى، وأثبتت أن النجاح ممكن فى ظل الكثير من التحديات.
كل التمنيات بالتوفيق لغادة والى «الزملكاوية الأصيلة»، فى مهمتها الجديدة فى فيينا، ونتمنى أن نشاهد العديد من نماذج غادة والى فى العمل العام.