صباح الأربعاء الماضى أرسل لى أحد الأصدقاء فيديو على الواتس آب لمواطنة مصرية، تصرخ فى الشارع بأعلى صوتها بسبب شلل الطريق الدائرى بفعل الأمطار الغزيرة.
قالت السيدة: «إحنا هنا على الطريق الدائرى من ثمانى ساعات من العاشرة ليلا، لحد ما النهار طلع علينا. أنا وأمى وبنتى فى العربية، بنتصل بالنجدة ولا حد بيرد علينا، بل يتم إغلاق الخط فى وجوهنا..عشان شوية مطرة البلد اتقفلت. مش عارفين نروح بيوتنا، لما حد رد علينا قالوا: العربيات بتشفط ميا.. تشفط ميا فين.. أنا عايزة حد يرد عليا.. أنا وبنتى وأمى نبات فى الشارع عشان مية بتتشفط ليه؟.. فين المسئولين يشوفوا اللى احنا فيه؟.. انتو معندكوش أى إحساس؟.. بنتصل بالمسئولين بنبوس إيديهم.. بنتى هتموت من البرد والجوع.. ثمانى ساعات!!!. حسبى الله ونعم الوكيل.. إنتم مسئولين فشلة، واحنا كلنا فشلة».
لم أكتب كل ما قالته السيدة نصا، لأن بعضه شديد الانفعال ويحتوى على ألفاظ يصعب ذكرها هنا.
للموضوعية تعاطفت مع السيدة تماما. هى صغيرة السن، وربما تحت الثلاثين.
آخر شىء يمكن أن نتهم به السيدة، أنها إخوان.. ملابسها توحى بأنها ليست كذلك بالمرة، وفى نهاية الفيديو يبدو أن أمها وجهت لها اللوم على حديثها الصريح، فصرخت قائلة: «طيب مين المسئول عن ده، لازم فيه حد يكون مسئول عن ده؟!»
خلال حديث السيدة، كانت هناك أصوات من بعض أصحاب السيارات تقول: «والله برافو عليك»، و«أقسم بالله انتى مية مية».
أتمنى أن يستمع كل المسئولين لحديث السيدة بجدية، ولا ينظروا إليه باعتباره نتاج حالة غضب مؤقتة، هى حالة موجودة لدى كثيرين، وتنفجر مع أى حالة إخفاق.
لا أعرف كيف يمكن لطريق أن يتوقف ثمانى ساعات كما قالت السيدة؟. لكن فى نفس الليلة ظللت نحو ساعة كاملة فى المسافة من مركز البحوث فى الدقى حتى كوبرى قصر النيل.
ليلتها أيضا قابلت العديد من الأصدقاء، وبعضهم كان قادما من أكتوبر لوسط البلد، حيث استغرقت الرحلة ثلاث ساعات، واحد الأصدقاء قال إن سائقه الخاص ظل فى الطريق من التجمع للجيزة أكثر من أربع ساعات، بفعل العاصفة الترابية التى انتهت بأمطار غزيرة طوال الليلة.
أين هى المشكلة؟!.
مبدئيا العواصف والأعاصير والسيول والأمطار الغزيرة تقع فى العالم كله، بل إنها محدودة فى مصر مقارنة ببلدان كثيرة بعضها يشهد ظواهر التسونامى!.
المشكلة تكمن فى مواجهة السلطات المحلية لهذه الكوارث الطبيعية. قبل نحو عام أجلت السلطات الأمريكية ملايين الناس من مكان لمكان لتجنب الأعاصير، من دون مقتل شخص واحد، وكان ذلك بفضل انضباط الهيئات والمؤسسات المحلية، واستعدادها الدائم لمثل هذه الكوارث.
فى كل مرة تهطل الأمطار أو تحدث السيول نكرر نفس الكلام من دون اتخاذ حلول جذرية، أو حتى من دون معرفة لماذا تم الإهمال فى إنشاء البنية التحتية؟!.
مثلا: لماذا لا نفكر فى معرفة المسئول أو المسئولين الذين أجرموا فى حق هذا البلد وسمحوا بهذه العيوب القاتلة فى الطريق الدائرى والمحور؟!. وهل كان ذلك بسبب قلة الميزانية أم التوفير أم التواطؤ والفساد؟!.
كيف نفهم إنفاق المليارات فى التجمع الخامس وشرق القاهرة عموما، فى حين أن جزءا من بنيتها التحتية بهذه الهشاشة، أو «أسمنت بالكريم شانتيه»، كما قال البعض ساخرا!، وهل صحيح أن مسئولى جهاز القاهرة الجديدة، أغلقوا على أنفسهم مكاتبهم ولم يردوا على التليفونات ولم يحركوا سيارات الشفط؟!.
صوت هذه السيدة ــ ذات الرداء الأسود ــ وهى تصرخ من قلبها، ينبغى أن يتم الانتباه إليه. حسنا فعلت الحكومة بتشكيل غرف عمليات، لكن للأسف فقد حدث ذلك بعد «خراب مالطة»، كما يقولون!.
لماذا لا يكون هناك الحد الأدنى من الاستعداد، ولماذا لا يبادر المسئولون إلى التدخل السريع بعد وقوع الكوارث.. ولماذا لم يفكروا حتى فى توزيع زجاجات مياه وسندوتشات على آلاف المصريين المحاصرين داخل سياراتهم، لكى يقولوا لهم نحن معكم؟!.نتمنى أن تسفر جولة اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية مساء الأربعاء عن قرارات حاسمة ضد الفاسدين والمهملين.
بالمناسبة هؤلاء المسئولون المقصرون والفاسدين أخطر على هذا البلد من أعتى الإرهابيين والمتطرفين؟!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع