بقلم: عماد الدين حسين
ما هى قصة «آيا صوفيا» التى يتحدث عنها الجميع الآن؟ وكيف يمكن لكاتدرائية أو مسجد أو متحف أن يثير كل هذا الجدل، ويكاد يحيى صراعات وفتنا دينية، ظن كثيرون أنها اختفت خصوصا بين الدول والحكومات علما بأنها مستمرة بقوة بين الأفراد والتنظيمات المتطرفة فى كل الأديان؟!
كاتدرائية آيا صوفيا الموجودة فى قلب إسطنبول التركية، أمر ببينائها الأمبراطور البيزنطى جستيان الأول عام ٥٣٢ ميلادية، على أنقاض كنيسة أخرى، تعرضت للبناء والهدم أكثر من مرة، ويقال إنه عندما انتهى بناؤها بعد ٥ سنوات، صرخ الإمبراطور معجبا بها قائلا: «لقد تفوقت على النبى سليمان الذى كان يسخر الجن لإقامة الأبنية العظيمة»!!.
فى هذه الكنيسة ــ التى أشرف على تصميمها المعماريان انثيموس الترالينى وايسودور الميليسى ــ كان يتم تتويج الأباطرة بها. قبتها الأصلية انهارت عام ٥٥٨، ثم أعيد بناؤها، وتم تدعيم جدرانها الداخلية بالذهب والفضة والزجاج والقرميد والحجارة الملونة، وظلت هى الكاتدرائية الأكبر فى العالم إلى أن تم بناء كاتدرائية إشبيلية عام ١٥٢٠ التى وصفت بأنها «درة العمارة البيزنطية».
آيا صوفيا ظلت رمزا للكنيسة الأرذوثوكسية الشرقية لأكثر من ٩٠٠ سنة باستثناء فترة قليلة من ١٢٠٤ حتى ١٢٦١، حينما حولها الصليبيون خلال إحدى حملاتهم للشرق إلى كاتدرائية للروم الكاثوليك، إلى أن فتح محمد الثانى القسطنطينية وحول الكاتدرائية مسجدا، وعلى مدى سنوات أضيف إليه بعض السمات المعمارية الإسلامية، مثل المنبر والمحراب والمآذن الأربع، وتم بناء مدارس إسلامية ملحقة به، وأطلق عليها الجامع الكبير. هذا الجامع ظل الأكبر فى إسطنبول حتى تم بناء مسجد السلطان أحمد المعروف باسم «المسجد الأزرق» عام ١٦١٦، ويقال إنه استلهم سمات معمارية من آيا صوفيا.
فى عام ١٩٢٣ ألغى الرئيس التركى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية أو العثمانية، وبدأ ينفصل شيئا فشيئا عن الشرق بأكمله، بل عن الحروف العربية، التى كانت اللغة التركية تكتب بها، مستعيضا عنها بالحروف اللاتينية. وفى عام ١٩٣١ أمر أتاتورك بوقف إقامة الشعائر الدينية فى آيا صوفيا، وفى عام ١٩٣٤ أصدر مرسوما حكوميا بتحويل المسجد إلى متحف وقرر إهداءه إلى الإنسانية. وفى الأربعينيات تم إدراج المتحف على لائحة التراث العالمى فى منظمة اليونسكو.
وحينما كان نجم الدين اربكان رئيسا للحكومة واردوغان نائبه بدات التسريبات والتلميحات عن اعادة المتف الي مسجد،وحينما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم منذ عام ٢٠٠٢ بدأت الأصوات الهامسة تعلو، استنادا إلى وثائق تقول إن السلطان محمد الثانى أو الفاتح اشترى المبنى من القساوسة قبل أن يحوله إلى مسجد، لكن المعارضين يقولون كيف يمكن تصديق أن قساوسة يبيعون كاتدرائية إلا تحت تهديد قائد احتل المدينة بالقوة؟!
أردوغان كان يحرص على زيارة المكان باستمرار، وصرح أكثر من مرة بأن قرار أتاتورك عام ١٩٣٤ بتحويل المسجد إلى متحف كان خطأ كبيرا وفادحا. وفى مرة أخرى وخلال وجوده فى المتحف قام أحد رجال الدين بتلاوة سورة الفتح .وقتها اعتبر كثيرون أن هذه رسالة تدل على نية أردوغان، وكان الاعتراض الأكبر يأتى دائما من الغرب، وبصفة خاصة من اليونان والكنيسة الروسية باعتبارهما رمزا للكنيسة الشرقية.
ولا يعرف كثيرون أن القضاء التركى حول اكثر من كنيسة الي مسجد ومنها كنيسة شورا البيزنطية وكنيسة بيزنطية فى طرابزون عام 2013.
لكن المفارقة وكما يقول السياسى التركى على بابا جان ــ الذى كان كادرا مهما فى حزب أردوغان وانشق عليه وشكل حزبا معارضا قبل شهورــ إن أردوغان حتى عامين مضيا كان يقول: «أنا بصفتى قائدا سياسيا لن أفقد صوابى لأقع فى هذه المؤامرة» أى تحويل المتحف لمسجد!.
وإذا صحت هذه المقولة فإنها ربما تكون إحدى أهم العلامات على مبدأ التقية الذى يؤمن به أردوغان.
أما الدليل الأهم على التقية فكان حينما زار مصر فى سبتمبر 2011، وقال فى حوار صحفى مع منى الشاذلى على قناة دريم: «أدعو المصريين إلى الإيمان بالأفكار العلمانية، وأن يتم تضمينها فى الدستور الجديد، وأن تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان دون أن يؤثر ذلك على إيمان الناس بما يشاءون من أديان».
المضحك وقتها أن محمود غزلان المتحدث باسم الإخوان رفض كل ما قاله أردوغان واعتبره تدخلا فى الشئون الداخلية لمصر!!!.
ثم اكتشفنا لاحقا أنه لم يكن يضحك على الإخوان، بل كان يخدع مصر والمنطقة والعالم بأسره!.