قبل نحو أقل من ثلاثة أسابيع، اتصل بى مراسل لواحدة من كبرى وكالات الأنباء العالمية، وسألنى عن رأيى فى ظاهرة «اللافتات الانتخابية» الكثيرة التى تملأ الشوارع، تأييدا للرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية.
تحدثت معه تليفونيا لنحو عشر دقائق، وعرضت له وجهة نظرى كاملة، فى موضوع اللافتات. لكن للأسف فوجئت بأن كلامى المنشور فى التقرير بالإنجليزية، مجتزأ إلى حد كبير، وركز فقط على بضع جمل، تظهر كلامى ناقصا ومبتورا. الغريب أننى أعرف هذا المراسل، وفى المرات التى تعاملت معه فيها قبل ذلك، كان شديد الأمانة فى نقل كلامى، بدقة. بعد النشر تحدثت معه وعاتبته، وقال لى إنه لم يقصد أن يشوه كلامى، وأن الفقرة التى اقتبسها، تضيف زاوية جديدة للموضوع. قلت له ولكن من سيقرأ القصة فى وكالتكم، لن يصله جوهر ما قلته، وسوف يقرأ فقط عبارة تبدو سلبية ومجتزأة من سياق أكبر.
لا أكتب هذه القصة للشكوى، فقد تفهمت الاعتذار الرقيق من المراسل، لكن أسردها لأدلل على المناخ الصعب الذى يحيط بمهنة الإعلام بصفة عامة، ويجعل الجميع يتحسسون ويتوجسون من كل كلمة أو عنوان أو مانشيت، هنا وهناك.
المراسلون الأجانب ليسوا كلهم مجموعة من الملائكة، كما يعتقد المعارضون المصريون، كما أنهم ليسوا جميعهم مجموعة من الشياطين كما يروج بعض أنصار الحكومة.
هؤلاء المراسلون، بينهم الصالح والطالح، المهنى جدا واللئيم جدا.
بعضهم يسعى لأداء عمله بأقصى صورة مهنية ممكنة، طبقا للأصول المهنية التى تعلمها فى بلاده. وفى هذه الحالة يصطدم بالكثير من الصعوبات فى مصر. وأهم مشكلة هى عدم وجود معلومات سريعة، ردا على أسئلتهم، الأمر الذى يجعل بعضهم يملأ هذه الفراغات بمعلومات ناقصة أو مشوهة أو أنصاف حقائق أو «أرباع مصادر».
البعض الثانى توقف عن العمل كصفحى، وصار ناشطا سياسيا. هؤلاء يجلس بعضهم على مقاهى وسط البلد، مع بعض الناشطين المعارضين أو الغاضبين أو المتطرفين، وتتحول وجهات نظر هؤلاء هى السائدة والمنتشرة والمحشورة وسط القصص و«الفيتشيرات» الصحفية التى يتم إرسالها، وشيئا فشيئا تتحول إلى وجهة نظر للمراسل شخصيا.
وتزداد خطورة هذه النوع من المراسلين، إذا كانت صحيفته أو محطته الإعلامية، لها وجهة نظر ضد الحكومة والنظام المصرى، لأنه يتم «تلوين» العديد من الأخبار أو تمرير معلومات مغلوطة أو ناقصة، أو التركيز فقط على كل ما هو مثير أو سلبى.
وللأسف الشديد وعن تجربة شخصية، فإن المستوى المهنى لبعض المراسلين الأجانب، أو الإعلاميين الذين يعملون فى فضائيات دولية، يشهد تراجعا كبيرا هذه الأيام.
حينما هاجم الإرهابيون دير الأنبا صموئيل فى المنيا وقتلوا ٢٨ من المسيحيين الذين كانوا ذاهبين إليه يوم الجمعة ٢٦ مايو الماضى، اتصلت بى إذاعة دولية معروفة، وسألنى المذيع: «ألا ترى أن هذا الحادث قد يؤدى إلى مغادرة المسيحيين لمصر، كما حدث فى العراق وسوريا»؟!.
لحظتها شعرت بصدمة كبيرة، لأن الاستنتاج كارثى وخاطئ، ويكشف عن قراءة شديدة التحيز والتوجيه واللؤم والتآمر، ناهيك عن الجهل بحقائق تاريخ مصر، وتاريخ أقباطها. الذين هم جزء حقيقى وأصيل من النسيج الوطنى، وليسوا أقلية طارئة يعيشون فى جيتو منعزل، كما يعتقد بعض الجهلاء.
مثل هذا النوع من المعالجات هو الذى يجعل البعض، يتخيل أو يتأكد أن هناك سعيا دائما للتهجم على مصر، والنيل من استقرارها، سواء تعلق الأمر بملف الأقباط أو الإرهابيين فى سيناء.
مرة أخرى: هل معنى ما سبق أننا مجتمع من الملائكة، والمراسلون مجموعة من الشياطين؟!.
الإجابة هى: لا، والذى يعطى الفرصة أحيانا لبعض هؤلاء المراسلين، للإساءة، هو غياب المعلومات، وعدم رد كثير من المسئولين على اسئلتهم واستفساراتهم، كما أن هناك مشكلات حقيقية فى ملف حقوق الإنسان والحريات خصوصا الصحفية.
وبالتالى وبعد أن نلوم المتربصين من المراسلين الأجانب، علينا أن ندقق فى المنهج الذى نعمل به، والأخطاء التى يقود إليها.
ويبقى السؤال: هل هناك طريقة مثلى للتعامل مع المراسلين الأجانب؟! الإجابة لاحقا إن شاء الله.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع