محصل الكهرباء مر على شقة أحد المواطنين فى حى السيدة زينب فى الأسبوع الماضى. أخبر الأسرة أن هناك ثلاثة شهور متأخرة، وإذا لم يتم الدفع سوف يتم قطع التيار وربما رفع العداد تماما.
فى نفس الحى، ولكن فى شقة بالقرب من شارع قصر العينى طرق المحصل باب إحدى الشقق. قال لسيدة البيت من دون أن يدخل أريد ١٥٠ جنيها. قالت له ولكنك لم تدخل الشقة، ولم تقرأ العداد انت أو زميلك القارئ، فعلى أى أساس قدرتم هذا المبلغ، خصوصا أنكم تحصلون نفس هذا المبلغ منذ نحو ثلاثة شهور؟
المحصل قال لها: «هذا تقدير مبدئى وبعد فترة سيقوم زميلى بقراءة العداد وتقدير القيمة ثم نخصم ما تم دفعه، وبعدها تسددون كامل القيمة المتبقية».
السيدة جادلت المحصل طويلا، ورجته أكثر من مرة أن يخبر شركته بضرورة أن تتم قراءة العداد كل شهر، بصورة منتظمة، حتى لا تتفاجأ بأنه مطلوب منها أن تدفع مبالغ فلكية مثل تلك التى تسمعها من معارفها.
المواطن الأول المطلوب منه سداد ثلاثة شهور، خاف من قطع التيار أو رفع العداد، ولذلك ذهب إلى مقر الشركة ليسدد المتأخرات. هناك أخد دوره وجلس وسط مواطنين ومواطنات كثيرين، وبدأ يسمع قصصا عن المشكلات المتنوعة بين المواطنين والشركة.
سيدة تشكو أنه مطلوب منها تسديد سبعين جنيها شهريا على شقة مغلقة منذ عام وتعافر مع الموظف فى محاولة لفهم كيف يحدث ذلك؟!!.
مواطن بجانبها يقول لها عليك أن تأتى بآخر إيصال وتذهبين إلى الموظف وإذا اقتنع سوف يحل المشكلة فورا، وثالث يقول إن الموظف مجرد منفذ للتعليمات ولا مفر من الدفع أولا وبعدها التظلم!!.
نخرج من تفاصيل المشكلات اليومية إلى أصل المشكلة وهى تتضمن، أن الحكومة تريد أن تحصل على المتأخرات وهذا حقها، والمواطن يريد أن يكون حساب وتقدير الفواتير حقيقيا وليس جزافيا، وبالتالى فالسؤال كيف نحقق الهدفين معا، مصلحة الدولة ومصلحة المواطن والمفترض أنها مصلحة واحدة.
الجديد أن الدولة بدأت تكشر عن أنيابها، وتطالب الجميع بسداد المتأخرات أفرادا وجهات حكومية، وإلا سيتم قطع التيار بعد إنذار المستهلك ثلاث مرات.
تشكو الحكومة منذ زمن ــ ولها كل الحق ــ أنها لم تعد قادرة على ضمان استمرار التيار الكهربائى بنفس الانتظام والجودة، إذا لم يقم المستهلكون بتسديد قيمة استهلاكهم. وسمعنا أرقاما خرافية يقول بعضها إن وزارة الكهرباء عاجزة عن تحصيل أكثر من خمسين مليار جنيه من المواطنين، و27 مليارا من الجهات الحكومية.
أعرف قصصا وحكايات كثيرة فى هذا الشأن. ومنها مثلا أن بعض المحصلين عجزوا فى فترات طويلة ــ خصوصا بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ــ ليس فقط عبر دخول بيوت بعينها، بل مناطق كاملة، خوفا من بطش المواطنين.
بعض هذه المناطق أعلن العصيان عن تسديد فواتير الكهرباء والمياه والغاز، قائلا إنها أولا مبالغ فيها، وثانيا لأنه لا يملك وهكذا تزايد العجز وتراكم فى الوقت الذى دفعت فيه الدولة أكثر من نصف تريليون جنيه للشركات الأجنبية خصوصا سيمنس الألمانية، لبناء محطات كهربائية، ووصلنا إلى مرحلة لم يعد التيار ينقطع أصلا بل وصار لدينا فائض سيصل إلى ضعف الاستهلاك وبالتالى يمكن تصديره، أو استغلاله فى أى توسعات لصناعته، وهى قصة نجاح حقيقية للحكومة ووزارة الكهرباء والدكتور محمد شاكر.
فى المقابل يشكو غالبية المواطنين من الزيادة المستمرة فى أسعار الكهرباء، وبعضها صار خرافيا.
هؤلاء يقولون «قد نلتمس العذر لأن أسعار الوقود زادت، خصوصا فى ظل الارتفاع المستمر فى أسعار البترول عالميا». لكن المشكلة الكبرى هى عدم وضوح الطريقة التى يتم على أساسها حساب الشرائح.
نظريا الأمور واضحة على الورق، لكن عمليا فالغالبية لا تعرف كيف يتم حسابها، خصوصا حينما تتوقف قراءة العداد، وبالتالى يعتقد بعض المواطنين أن وزارة الكهرباء ترفعهم إلى شريحة أعلى بسبب تراكم الاستهلاك. هم يريدون قراءات منتظمة شهريا، على أن يتعهدوا بالدفع المنتظم أيضا وبالتالى ــ يا دار ما دخلك شر ــ العداد الذكى مسبق الدفع سيحل المشكلة من جذورها لكن غالبية المستهلكين تخشاه، وما تزال تفضل العداد الحالى القديم، وذلك موضوع يستحق المتابعة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع