بقلم: عماد الدين حسين
كنت أعتقد حتى وقت قريب أن غالبية طلاب الصف الثالث الثانوى هم وحدهم الذين لا يذهبون إلى مدارسهم معظم أوقات السنة، لكن للأسف الشديد فإن هذه العدوى القاتلة يبدو أنها فى طريقها للانتشار لتصل إلى طلاب الشهادة الإعدادية.
قبل أيام حكى لى صديق صحفى أن ابنته فى الصف الثالث الإعدادى أخبرته بأنها لن تذهب إلى الدراسة، لأن زملاءها لن يذهبون، وسيتفرغون للذهاب إلى مراكز الدروس الخصوصية «السناتر» التى حجزوا فيها بالفعل منذ نهاية العام الدراسى الماضى، ولم تعد هناك أماكن خالية فيها لمن يريد الالتحاق.
نعلم جميعا أن هذه الظاهرة موجودة بقوة بين طلاب الصف الثالث الثانوى منذ سنوات طويلة وانتقلت بسرعة إلى الصفين الأول والثانى الثانوى. هى ليست وليدة اليوم أو سياسات وزارة التربية والتعليم الحالية أو دكتور طارق شوقى، بل تراكمات ممتدة. ونتذكر أيضا أن وزير التعليم السابق د. الهلالى الشربينى حاول التصدى لهذه الظاهرة، وحصل على قرار من مجلس الوزراء لإجبار طلاب الثانوية العامة على الحضور عبر ربط ذلك بدرجات تخصم من المجموع، وأظن أنها كانت عشر أو خمس عشرة درجة. وحينما بدأ الرجل التطبيق، لإجبار الطلاب على الذهاب للمدارس، فوجئنا وقتها بأن هناك لوبيات من أصحاب السناتر، وبعض أولياء الأمور المخدوعين، ينظمون ويقودون احتجاجات طلابية غاضبة، بل وذهبوا إلى الوزارة وحاصروها وقفزوا من فوق أسوارها لإجبار الوزارة على إلغاء القرار بحجج مختلفة. وقد رأيت ذلك بعينى لأن الوزارة قريبة جدا من بيتى.
للأسف الشديد فإن غالبية المجتمع وقتها لم تقف مع د. الهلالى الشربينى أو مع الوزارة والحكومة، بل إن مجلس الوزراء الذى اتخذ القرار تخلى عمليا عن الوزير، وطلب منه التراجع عن القرار. والأسوأ أن بعض الصحفيين والكتاب، الذين يلومون الوزارة الآن على عدم ذهاب الطلاب للمدارس، لم ينصروها فى المعركة أيام الدكتور الشربينى.
هذا التراجع كان قرارا عمليا بالتصديق على غياب الطلاب عن المدارس، وتحويل «السناتر» إلى البديل الفعلى عن المدارس بما يجعلها تكتسب شرعية الأمر الواقع. لكن لم نكن نعلم أن الفيروس سينتقل لمراحل أخرى غير الثانوية العامة مثل الإعدادية، أو حتى للمدارس التجريبية أو الخاصة واللغات، التى يدفع الطلاب الكثير لكى يحصلوا على تعليم أفضل من الموجود فى المدارس الحكومية. ومعلوم طبعا الآثار السلبية الكثيرة لتعود الطلاب على هجر المدارس صباحا والذهاب إلى السناتر ليلا، من إدمان الاستيقاظ فى أوقات متاخرة نهارا، مرورا بنسيان قيم مهمة مثل الطابور الصباحى وتحية العلم والتربية الوطنية والدينية، وقيم العمل الجماعى، نهاية بضعف فكرة الانتماء للبلد.
بعد كل هذه المقدمة الطويلة فالسؤال البديهى الموجه للحكومة ولوزارة التربية والتعليم ووزيرها الدكتور طارق شوقى هو: كيف يمكن أن نتحدث عن أى تطوير للتعليم إذا لم يذهب الطلاب إلى الفصول أساسا، وظلوا فى السناتر فقط؟!
لا أطرح السؤال لكى أعمم مناخا تشاؤميا، بل لكى نبحث عن طريقة عملية تعيد هؤلاء الطلاب إلى المدارس؟!
وقبل أن نطرح هذا السؤال يفترض أن تخبرنا وزارة التعليم بالحقيقة الكاملة عن الوضع الراهن. مثلا لنفترض أن الطلاب جميعا هجروا السناتر، وقرروا أن يعودوا إلى مدارسهم، فهل سيجدون فصولا جاهزة لاستقبالهم، أم أن هذه الفصول التى كانت مخصصة لهم، قد تم تخصيصها لتلاميذ الحضانة والصف الأول الابتدائى الذين شملهم التطوير الجديد الذى بدأ فى العام الدراسى الماضى؟!
وهل إذا عادوا ووجدوا فصولا متاحة، فهل هناك معلمون جاهزون ومؤهلون للتدريس لهم، أم أنهم هجروا المدارس أيضا، واتجهوا إلى السناتر المربحة، ولن يفرضوا فى هذا الوضع بل يحاربون من أجل استمراره وتكريسه؟!
أتمنى ألا يكون ما سمعته بشأن تسرب الطلاب والتلاميذ فى الإعدادية إلى السناتر، صحيحا، وأن يكون قاصرا فقط على مدرسة ابنة صديقى، لأنه لو صح فإن كل ما نقوله عن التطوير سيذهب أدراج الرياح.
أدرك تماما شراسة الحرب التى تشنها لوبيات ضخمة ومتنوعة ضد مشروع تطوير التعليم، بصفة عامة ومنها تطوير الثانوية العامة.
لكن وللموضوعية، وقبل أن نلوم السناتر واللوبيات المختلفة، علينا أن نتأكد أولا أننا نسير فعلا فى الطريق الصحيح، وبعدها يمكننا أن نلوم أى شخص أو جهة!