بقلم : عماد الدين حسين
تقول الحكومة إنها لم تكن تملك بديلا عن رفع أسعار تذاكر المترو بصورة وصلت إلى نسبة 235٪. ويقول الفقراء ومحدودو الدخل، إنهم أيضا لا يملكون خيارا فى غالبية مناحى الحياة!.
السؤال كيف يمكن فك هذه المعضلة، والوصول إلى نقطة التقاء فى منتصف الطريق؟!.
وجهة نظر الحكومة تتلخص فى أن مرفق مترو الانفاق يخسر سنويا أكثر من ٦٠٠ مليون جنيه بسبب الدعم الذى تقدمه الحكومة لأسعار التذاكر،وبينما تبلغ المصروفات 5.6 مليار جنيه،فان الايرادات لا تزيد عن 1.2 مليار جنيه. وتقول الحكومة إن سعر التذكرة حتى بعد زيادتها بصورة كبيرة يوم صباح الجمعة الماضية يظل الأرخص عالميا على الإطلاق، لأن تكلفتها الفعلية تصل إلى حوالى 17 جنيها تقريبا، وأنه لا يوجد بلد فى العالم يستطيع المواطن فيه أن يتحرك فى كل محطات مترو الانفاق من أقصى القارة الكبرى إلى أقصاها بجنيهين قبل الزيادة! وحتى بسبعة جنيهات بعد الزيادة أى حوالى ٤٠ سنتا أى أقل من نصف الدولار، حتى مع تقدير الاختلاف فى الدخول هنا وهناك.
ووجهة نظر الحكومة أيضا أن استمرار الوضع على ما هو عليه، يعنى ترحيل هذه الخسائر للموازنة العامة فى صورة عجز متزايد، وأن يصل مرفق المترو إلى وضع يشبه وضع السكة الحديد أو ربما أسوأ، وبالتالى تضيع فرصة الإصلاح.
فى المقابل يقول المواطن البسيط الذى يستخدم المترو بصورة يومية ــ وأعداد هؤلاء بالملايين ــ إنه يستحيل عليه تحمل هذه الزيادة الضخمة، لأن راتبه ليس فقط لم يشهد زيادة مماثلة، بل إنه تعرَّض عمليا لانخفاض فى قيمته الحقيقية إلى أكثر من النصف، حينما تم تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية فى نوفمبر ٢٠١٦، وحينما تم زيادة أسعار الوقود أكثر من مرة.
لسان حال المواطن البسيط الذى يتقاضى ألف جنيه شهريا، وربما أقل يقول: «كيف يمكننى تحمل زيادة فى سعر التذكرة تبدأ من ٥٠٪ وتصل إلى ٢٣٥٪؟!.. لنفترض أننى أصدق رواية الحكومة، بأنه لابد من إصلاح الخلل الفادح فى نفقات تشغيل المترو، فإن السؤال المنطقى هو: كيف يمكن إصلاح الخلل الفادح فى نفقات معيشتى كمواطن، وكيف سيكون شكل حياتى حينما ترتفع أسعار الكهرباء والوقود خلال أسابيع؟!».
وجهتا النظر صحيحتان بالفعل، فالأسعار لم تكن اقتصادية بالمرة، وظلت مجمدة وثابتة لسنوات، وفى الوقت نفسه فإن ظروف غالبية أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة لم تعد تتحمل أى زيادة فى أى سلعة ولو كانت بنسبة ضئيلة. إذا كان ما سبق صحيحا، فكيف يمكن التعامل مع الأمر!.
مساء الجمعة وصباح السبت سمعت أكثر من شخص من مستخدمى المترو بصورة منتظمة يقولون الآتى: «سوف نفترض أن رواية الحكومة صحيحة، وأنها تخسر، لكن يجب علينا أن نتحقق من أن تشغيل المترو يتم على أسس اقتصادية حقيقية، وأن المواطنين الغلابة، لا يتحملون، ليس فقط تكلفة ارتفاع نفقات التشغيل من عمالة وكهرباء وخلافه، ولكن ــ وهذا هو الأهم ــ أجور خبراء ومستشارين لا يحتاجهم المرفق، إضافة إلى أرباح يتم توزيعها بصورة دائمة على العاملين، رغم أن المرفق يتعرض للخسارة».
لا أعلم مدى دقة هذا الكلام، لكن من المهم أن تعلن الحكومة، ووزارة النقل حقيقة الأمر، حتى لا تصل للمواطنين شائعات تقول إنهم يقومون بتمويل أجور فلكية لمستشارين ليس لهم علاقة بالنقل سواء كانت سكة حديد أم مترو؟!. ولو كان هذا الامر صحيحا لوجب على الحكومة تصحيح الامر فورا.
ليس هناك اعتراض على إصلاح الخلل فى أسعار السلع والخدمات، لكن من المهم التأكد من وجود نفقات اقتصادية حقيقية فى كل هذه المرافق.
ليس مطلوبا من المواطنين أن يقوموا بتمويل سوء إدارة العديد من القطاعات وفى مقدمتها المترو.. إذا تأكد المواطنون من حدوث ذلك، فإن درجة غضبهم سوف تقل كثيرا.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع