«أعدكم وعد الصدق المبين بأن أظل على عهدى معكم.. مخلصا فى عملى غير مدخر لجهد.. من أجل رفعة وطننا العظيم.. وساعيا لبناء مؤسساته بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة.. وباحثا عن مكانته بين الأمم.. عاقدا العزم على تحقيق التنمية والاستقرار.. وتوفير الحد اللازم من جودة الحياة لأبنائه.. وأعدكم بأن أعمل لكل المصريين دون تمييز من أى نوع.. فالذى جدد الثقة بى وأعطانى صوته لا يختلف عمن فعل غير ذلك.. فمصر تسع كل المصريين.. مادام الاختلاف فى الرأى لم يفسد للوطن قضية.. والمساحات المشتركة بيننا أوسع وأرحب.. من أيديولوجيات محددة أو مصالح ضيقة.. ولعل العمل على زيادة المساحات المشتركة بين المصريين.. سيكون على أولويات أجندة العمل الوطنى خلال المرحلة المقبلة».
الفقرة السابقة جزء فى غاية الأهمية من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى وجهها للشعب المصرى، عقب الإعلان الرسمى عن فوزه بفترة رئاسة ثانية، مساء أمس الأول الإثنين.
بداية يستحق من كتب هذه الكلمات الشكر، الذى يفترض أن يوجه أولا إلى الرئيس.
والآن من الموجز إلى التفاصيل.
لا ينكر إلا أعمى حجم ما تم من إنجازات فى البنية التحتية، خصوصا الطرق والجسور والمدن الجديدة والطاقة عموما والكهرباء خصوصا، وكذلك الإنجاز الكبير فى علاج فيروس سى، وبدء برنامج الإصلاح الاقتصادى، واستعادة الجانب الأكبر من الاستقرار، وتوجيه ضربات مؤثرة للإرهابيين، بفضل تضحيات الحيش والشرطة، وغالبية المجتمع.
لكن هناك إحساسا عاما لدى غالبية المواطنين، بأن الحريات عموما وحرية التعبير خصوصا تتراجع بصورة فادحة.
المشكلة أن الأمر يؤثر فعلا على بقية الملفات، وعلينا أن نتذكر أنه فى السنوات الأخيرة من حكم حسنى مبارك، كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية مرتفعة وجيدة جدا، ومعدل النمو وصل إلى سبعة فى المئة، والاحتياطى النقدى تجاوز ٣٦ مليار دولار، والسياحة فى أزهى فتراتها وكذلك تحويلات المصريين فى الخارج. وعلى الرغم من كل ذلك كانت غالبية المصريين لا تشعر بالرضا، والسبب ملف الحريات، وسوء توزيع الثروة وغياب أى أمل فى تداول سلمى للسلطة.
سيقول البعض إن المجتمع غير جاهز للديمقراطية على الطريقة الغربية، وإن أى انتخابات برلمانية مفتوحة سوف تأتى إما بالمتطرفين وإما بمن يملكون الأموال الكثيرة. قد يكون ذلك صحيحا، وبالتالى فإن السؤال هو: لماذا لا نبدأ من الآن فى تهيئة المجتمع للديمقراطية الصحيحة، عبر تجفيف منابع الإرهاب والتطرف وتصويب الخطاب الدينى، وإتاحة هامش حقيقى للحريات، خصوصا للمجتمع المدنى، وتشجيع الأحزاب المدنية على الوقوف على قدميها والانطلاق، حتى تكون حائط صد أمام المتطرفين.
حاربوا الإرهاب والإرهابيين والمتطرفين بأقصى قوة ممكنة، لكن لا تدخلوا فى معارك مع بقية المجتمع. المنطق يقول أن تحاولوا كسب أكبر عدد ممكن من الناس وقوى المجتمع، بدلا من كسب الخصوم مجانا.
يقول الرئيس فى كلمته إن مصر تسع الجميع، وهذا قول صحيح، وفى غاية الأهمية، وبالتالى يصبح السؤال الجوهرى هو: كيف يمكن ترجمة كلام الرئيس على أرض الواقع، وكيف يمكن زيادة المساحات المشتركة بين المصريين؟!.
يفترض أن توجيهات وتعهدات ووعود الرئيس فى بداية فترته الرئاسية الثانية، موجهة إلى الحكومة والمؤسسات والهيئات والأجهزة المختلفة لكى تقوم بتطبيقها على أرض الواقع.
يقول الرئيس إنه سيعمل مع جميع المصريين من دون تمييز، وبالتالى فإن الذين ينصبون من أنفسهم محتكرين للوطنية أو ناطقين حصريين باسم الوطن، أن يراجعوا أنفسهم. واجهوا الإرهاب والتطرف بكل ما تملكون، لكن، توزيع صكوك الوطنية أو اتهامات العمالة، يدمر المجتمع بأكمله، بل يضر الحكومة والنظام أكثر مما يفيده.
لو ان النظام تمكن من استعادة روح ٣٠ يونيه، خصوصا التوافق الوطنى الذى أسقط مشروع الإخوان، فسوف يكون قد قطع خطوة مهمة للأمام. ليس مهما أشخاص معسكر ٣٠ يونيه، بل المقصود القوى السياسية والمؤسسات والنقابات، واتحادات الطلاب، والمثقفين، والعناصر الفاعلة فى المجتمع المدنى.
أتمنى أن يستهل الرئيس فترته الثانية بلقاءات مع ممثلين لهذه القوى، حتى يبعث برسالة طمأنة للجميع، خصوصا أن المخاوف داخل المجتمع صارت كبيرة، وتهدد الكثير من الإنجازات التى تحققت.
لو أنه تم تطبيق وتنفيذ وعود الرئيس على أرض الواقع فسوف تكون أفضل هدية حصل عليها المصريون، فى الوقت الراهن.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع