تحويلات المصريين فى الخارج بلغت ١٧٫٣ مليار دولار فى ثمانية أشهر من يوليو ٢٠١٧ إلى فبراير ٢٠١٨، وبلغت ٢٦٫٤ مليار دولار فى ١٣ شهرا من نوفمبر ٢٠١٦ إلى نهاية نوفمبر ٢٠١٧، مقابل ٢٢٫٣ مليار دولار فى الفترة المماثلة لها من العام الذى سبقه. والمتوسط العام للتحويلات يصل إلى أكثر من ٢٢ مليار دولار طبقا لبيانات رسمية.
هذا الرقم صار يمثل واحدا من أهم مصادر العملة الأجنبية للاقتصاد المصرى، بعد ان تراجع بصورة ملحوظة عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، والتوتر الذى ساد علاقات مصر ببلدان المنطقة، وعودة غالبية العمالة المصرية من ليبيا.
الخبر المزعج الذى ينبغى أن نهتم به كثيرا هو أننا قد نستيقظ قريبا على تطور تتوقف فيه غالبية هذه التحويلات وبالأخص من بلدان الخليج.
كتبت عن هذا الموضوع قبل ذلك، لكن لم أكن أتوقع أن تتراجع الاقتصادات الخليجية بهذه الوتيرة.
المتابع للأوضاع الخليجية سوف يكتشف مجموعة من التطورات التى لم نكن نظن أننا سنصل إليها.
غالبية دول الخليج صارت توجه جزءا كبيرا من نفقاتها إلى تمويل حروب وعمليات عسكرية فى المنطقة. فبعد أن تم استنزاف الخليج فى الحرب السورية، صارت اليمن هى «البلاعة» التى تلتهم جزءا كبيرا من أموال الخليج.
نتيجة لذلك بدأت العديد من دول الخليج فى فرض رسوم متزايدة على اسر العاملين والمرافقين لهم، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وكذلك رسوم جمركية، الأمر الذى ألغى العديد من المزايا التنافسية للأسواق الخليجية.
التطور الأبرز أن بلدانا خليجية كثيرة فرضت رسوما على تحويلات العمالة الأجنبية لديها بنسب تتراوح بين ٥ و ١٠٪. أما التطور الملفت جدا فكان قرار دول خليجية ومنها السعودية توطين العديد من الوظائف، الأمر الذى يعنى آليا الاستغناء عن العمالة العربية منها.
هل نلوم الخليج أنه بدأ يتخذ إجراءات تقشفية أو يحاول توطين العمالة؟!
بالطبع لا، لكن هناك سياسات أدت إلى إغراق وتوريط العديد من بلدان الخليج فى مشاكل وأزمات لاستنزاف ثرواته، وهو أمر يطول الخلاف والجدل بشأنه، وليس هذا مكان مناقشته.
نحن هنا نطرح السؤال مجددا: إذا كانت النسبة الأكبر من عمالتنا موجودة فى الخليج خصوصا السعودية والإمارات والكويت. وهى صاحبة النسبة الأكبر من تحويلات العملة الصعبة، فهل لدينا أى دراسات أو استعدادات لاحتمال أن تبدأ هذه العمالة فى العودة؟!
قبل أن نفكر فى الإجابة علينا معرفة أن عدد الذين غادروا السعودية فى الفترة الاخيرة يصل إلى اكثر من ٧٠٠ ألف، وهو رقم كبير جدا منه مصريون. هؤلاء لم يعودوا قادرين على التوفير فى ظل أن غالبية الأسعار ومنها الوقود والكهرباء قد ارتفعت بصورة فلكية. كما أن العديد من المصريين قاموا بتسفير أسرهم، حتى يقللوا من فاتورة الاستهلاك، ويصبح هناك حد أدنى من التوفير، خصوصا بعد فرض الرسوم على تحويلاتهم المالية وعلى أسرهم.
نعود إلى السؤال الجوهرى وهو: ماذا فعلنا، أو ماذا ننوى أن نفعل لمواجهة هذا السيناريو، خصوصا أن هناك أطرافا إقليمية ودولية تسعى بكل الطرق إلى إغراق المنطقة فى حرب طائفية بين السنة والشيعة. اذا حدث ذلك ــ لا قدر الله ــ فإننا جميعا سنخسر خسارة كبيرة ولا يكون هناك رابح الا إسرائيل وكل أعداء العرب والمسلمين.
صانع القرار الاقتصادى والسياسى ينبغى أن يكون مستعدا من الآن لأى تطورات، وعليه أن يضع فى حساباته أسوأ السيناريوهات.
أولا: علينا أن نبذل كل جهودنا لمنع المخطط الأمريكى الإسرائيلى لتوريطنا فى حرب عبثية مع إيران، وأن نبحث عن حلول عملية لصالح المنطقة، وأن نقنع إيران، بأنها ستخسر كثيرا إذا لم تتوقف عن محاولات الهيمنة على المنطقة.
ثانيا: لا بد من إجراءات اقتصادية عاجلة للتحول إلى مشروعات استثمارية حقيقية تجعلنا نتوقف عن الاعتماد على مصادر ليس لنا قدرة على التحكم فيها.
ثالثا: علينا إعادة تأهيل العمالة المصرية، والبحث عن أسواق جديدة لها سواء فى إفريقيا أو آسيا وأوروبا.
أخيرا: أتمنى أن يتم تشكيل لجنة أو آلية معينة لمتابعة هذا الموضوع حتى لا نتفاجأ بالمصيبة عند وقوعها، كما يحدث فى الكثير من الأزمات. وربنا يستر!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع