هل يمكن أن يقتل المسيحى مسيحيا؟.. وهل يمكن أن يقتل هذا المسيحى قسا أو قمصا أو أنبا يعمل تحت رئاسته الروحية؟!.
هذه الأسئلة بصياغات مختلفة هى التى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى بعد مقتل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أبو مقار فى وادى النطرون يوم الأحد الماضى، فى «قلايته» أو مقر سكنه داخل الدير الذى يقع على مساحة تزيد على 3000 فدان.
التحقيقات لاتزال جارية فى الحادث، وكل الاحتمالات واردة بالطبع، بعد أن استجوبت النيابة وسألت أكثر من 400 عامل و150 راهبا فى الدير.
من وجهة نظر كثير من الإخوة المسيحيين فإن الإجابة هى: «لا» قاطعة، ويستحيل حدوثها بالمرة!.
والهدف من هذا المقال ليس «من الذى قتل الأنبا؟»، ولكن إلقاء الضوء على طريقة تفكير بعض المصريين.
قرأت لإخوة أقباط كثيرين يقولون إن القاتل لابد أن يكون إرهابيا، يريد إحداث فتنة جديدة مع المسلمين لمصلحة مؤامرة إقليمية ودولية شاملة ضد مصر.
وطبعا لا أستبعد ذلك، لأن المؤامرة فى هذا المجال موجودة منذ زمن طويل، لكن السؤال المنطقى الذى يفترض أن نسأله لأصحاب هذا السيناريو هو: على أى أساس أو أدلة أو معلومات أعلنتم توقعاتكم بعد وقوع الحادث بدقائق قليلة؟ هل لديكم أى دليل، أم أنكم تتحدثون عن أمنياتكم وتصوراتكم فقط؟!.
من الوارد أن يكون القاتل إرهابيا، أو على خلفية جنائية أو ربما من داخل الدير نفسه لتصفية حسابات معينة.
فى هذا الشأن قرأت لكاتبة صحفية مستنيرة، كلاما منطقيا على صفحتها على الفيسبوك تقول فيه نصا: «المسيحيين بتوع يستحيل راهب يقتل رئيس الدير مهما حصل.. أذكرهم بالآتى:
1 ــ هو اللى باع المسيح كان إرهابى ولا حرامى.. ده كان واحد من تلامذته كان بياكل معاه من الطبق نفسه.. شاف معجزاته وقدراته على شفاء المرضى وإقامة الموتى وإخراج الشياطين وغيرها من المعجزات اللى باختصار تخلى أى واحد يخاف يخونه.. لكن بالرغم من كدة تجرأ وباعه للموت عادى يعنى.
2 ــ يعنى الجملة القادمة هى بعيدة عن قناعاتى تماما لأنى بطلت أصدق الحكايات دى.. بس خلينى أقولها كرد بلغة الناس اللى هى ضد فكرة أن راهب يقتل: «بستان الرهبان والسنكسار اللى الكنيسة والمسيحيين بيحبوه مليان قصص كتير عن قديسين كانوا رهبان ومشهود لهم بالتقوى والورع وكانوا أقرب للسواح.. لكن رفاقهم من الرهبان كانوا غيرانين منهم وبيحسدوهم وبيكرهوهم.. فكانوا بيتآمروا عليهم عشان يدمروهم ويتخلصوا من وجودهم بأى طريقة، فعادى برضه يعنى.. الاسترشاد بالموضوع ده مش معناه أن جريمة قتل رئيس دير أبو مقار بسبب غيرة وحسد من تقواه.. لكن أنا بسترشد بفكرة أن مجتمع الرهبان زيه زى أى مجتمع بشرى يعنى يحصل فيه أى حاجة.. دول بشر لا مؤاخذه..
غريبة أوى الناس اللى بتعترف بالتاريخ ده، وفى نفس ذات الوقت بترفض أنها تكون جزء منه.. آه نقرأ عنه لكن ميحصلش عشان محدش يشمت فينا».
كلام الكاتبة الصحفية ــ وهى بالمناسبة قبطية ــ منطقى جدا، وحتى لا يغضب بعض أصدقائى الأقباط أقول لهم إن هذا الأمر يحدث فى كل الديانات والمذاهب السماوية والوضعية. وثلاثة من الخلفاء الراشدين فى الإسلام قتلهم مسلمون، عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب قتلا فى المسجد، وعثمان بن عفان قتل فى منزله على يد تحالف من ثوار من غالبية الأمصار الإسلامية. والقتلة كانوا يعتقدون أنهم ينفذون صحيح الدين، ووزير الأوقاف الأسبق محمد الذهبى قتله أنصار تنظيم التكفير والهجرة الذى كان يقوده شكرى أحمد مصطفى عام 1977، والحوادث المماثلة فى هذا الأمر أكثر من أن تحصى.
من مزايا وسائل التواصل الاجتماعى القليلة هذه الأيام، أنها أطلقت كميات من الهواء النقى فى مناخاتنا المتكلسة، ومناقشة ما كنا نظن أنه ثوابت، ثم تبين لنا أنها ليست كذلك.
لكن السؤال يظل قائما: ما هى خلفيات مقتل الأنبا ابيفانيوس؟!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع