مساء الخميس قبل الماضى، التقيت بأستاذ للعلوم السياسية، فى مسجد الحامدية الشاذلية، خلال تقديم واجب العزاء فى الإعلامية الكبيرة الراحلة آمال فهمى.
الرجل عاتبنى بشدة لأنه يرى أن كتاباتى لا تؤيد سياسات الرئيس السورى بشار الأسد، الذى يواجه الإمبريالية والصهيونية ورعاة الإرهاب من كل حدب وصوب.
تحدث الدكتور كثيرا، مؤكدا أن الهجمة الراهنة، تحتم على كل العرب الاصطفاف خلف القيادة السورية، حتى يتم دحر الإرهاب، وأنه يستغرب أننى أصف نفسى بأننى قومى عربى، وفى الوقت نفسه لا أؤيد الأسد فى صراعه ضد الغرب وإسرائيل!!!.
استمعت لكل ما قاله لى أستاذ العلوم السياسية، وقلت له إننى احترم رأيه تماما، لكنى أختلف معه كثيرا. ووجهة نظرى المتواضعة أن إحدى مشكلاتنا العربية الكبرى أننا نربط بطريقة ميكانيكية بين الحاكم وبلده.
قال لى الدكتور إن سوريا تتعرض لمؤامرة كبرى تستهدف كيانها ووحدتها. وقلت له إننى موافق على ذلك تماما، لكن من المهم جدا أن نفكر قليلا، لماذا تمكنت هذه القوى الكبرى من تحقيق أهدافها فى سوريا والعراق وليبيا واليمن بمثل هذه السهولة؟! ولماذا فشلت فى تحقيق نفس الأهداف فى دول عربية أخرى، على الرغم من أن الهدف واحد وهو تفكيك المنطقة واستنزاف ثرواتها وجعل إسرائيل هى المهيمنة على المنطقة؟!!!.
بوضوح شديد أعتقد أن قوى غربية تحاول فعلا التآمر على المنطقة، لكن ذلك لا ينجح إلا حينما تكون التربة مهيأة لذلك.
راجعوا الأماكن والبلدان التى نجحت فيها المؤامرة، وسوف تكتشفون أنها نفس الأماكن التى انتشر فيها الظلم والجهل والتخلف والاستبداد والطائفية والبلطجة وسوء توزيع الثروات، على الرغم من كثرتها أحيانا.
أدين العدوان الأمريكى البريطانى ضد العراق عام ٢٠٠٣، بكل قوة، وأدينه الآن ضد سوريا. لكن وبعد الإدانة علينا أن نفكر ونقرأ الوقائع والأحداث حتى لا تتكرر المأساة فى بلد عربى غدا أو بعد غد لا قدر الله.
ما كان ممكنا للمؤامرة الأمريكية أن تنجح ضد العراق، لولا أن صدام حسين فشل فى تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين مختلف مكونات بلده، والنتيجة أنه خسر الشيعة والأكراد وغالبية السنة. دخل فى حرب عبثية مدتها ثمانى سنوات مع إيران، دمرت البلدين والمنطقة وقتلت الملايين وأهدرت مئات المليارات من الدولارات.
إسرائيل تتآمر على سوريا علنا منذ عام ١٩٤٨، لكنها فشلت فى إخضاع سوريا، إلا أن كل أهدافها تحققت بيد السوريين أنفسهم بدءًا من ٢٠١١.
هناك تآمر لاشك على سوريا من قوى خارجية، وللأسف من قوى عربية خصوصا فى الخليج، لكن علينا أن ندين أيضا السياسات التى قادت إلى كفر بعض السوريين بكل شىء بفعل السياسات المستبدة والطائفية للنظام.
علينا أن نلوم حلف الأطلنطى وقطر وتركيا وبعض العرب على دورهم فى تدمير ليبيا، لكن علينا أيضا ألا ننسى أن نظام القذافى هو الذى حرق هذا البلد ودمر مؤسساته بطريقة منهجية، بحيث صار على الصورة التى نراها الآن.
المؤامرة موجودة دائما، لكنها لا تنجح إلا حينما تكون التربة الداخلية مهيأة لنجاحها.
أعود مرة أخرى وأؤكد إدانتى الكاملة للعدوان الثلاثى الأخير ضد سوريا، وكتبت ذلك بالفعل أكثر من مرة، وتحدثت عنه فى أكثر من فضائية خلال الأيام الماضية.
قوى العدوان لا تريد الخير لسوريا أو للمنطقة. كما أنها ليست معنية بأطفال سوريا أو منزعجة من احتمال استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين.
أدافع عن سوريا ــ هذا البلد العربى الكبير والعظيم والشقيق ــ بلا حدود وأتمنى انتصاره على قوى البغى والعدوان ومنظمات الإرهاب، سواء كانت داعش أو القاعدة أو الإخوان، لكن ذلك لا يعنى الاصطفاف وراء نظام بشار الأسد.
ما لم تتغير فلسفة الحكم وتعود سوريا وطنا لكل أبناءها، فإن سلسال الدم سوف يستمر، ويعطى فرصة أكبر للعدوان الغربى الصهيونى لكى يستمر بلا توقف،وبدأت أوقن أن من مصلحة المتآمرين استمرار اللعبة الجهنمية بين النظام والإرهابيين، حتى يسهل تدمير كل سوريا لعشرات السنين، ولا حول ولا قوة الا بالله.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع