لو كنت من قادة وكوادر الأحزاب السياسية المختلفة، لبدأت من اليوم الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة فى عام ٢٠٢٢. ومن باب أولى الاستعداد للانتخابات النيابية بعد نحو عامين، أما قمة الأولويات، فيفترض أن تكون للانتخابات المحلية، التى تأجلت أكثر من مرة، ويتردد أنها قد تتم خلال شهور قليلة. سيقول البعض، ولكن انتخابات الرئاسة الأخيرة، لم يجف حبرها فقط، فلماذا هذا الاستعجال؟!.
الإجابة ببساطة لأن أى استعداد جدى لأى انتخابات يحتاج إلى وقت طويل يستغرق سنوات، وبناء الاحزاب الجماهيرية يحتاج فعلا إلى وقت وجهد وتضحيات تفوق ما يحتاجه بناء مدن كاملة. وبالتالى فإن استمرار الأحزاب بطريقة عملها الراهنة، يعنى أنها غير جادة، والأشرف لها فى هذه الحالة أن تغلق مقراتها أو تؤجرها مفروشة!!!.
لدينا ١٠٤ أحزاب، تأسس بعضها بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولا نرى لها فعلا، أو نسمع لها حسا حتى الآن، وهو ما ينطبق على غالبية الأحزاب التقليدية.
مرة أخرى سوف يقول البعض: ولكن الحكومة وأجهزتها المختلفة تحاصر الأحزاب وتمنعها من الحركة والانتشار والانطلاق؟!.
لهؤلاء أكرر: نعم هناك مضايقات حكومية وسوف تستمر، لكن يمكنكم التفكير فى مليون طريقة من أجل التواصل مع الجماهير. العمل السياسى لا يقتصر فقط على الخطب السياسية الحماسية أو بيانات الشجب والإدانة. هناك إمكانية للتفاعل مع الجماهير بطرق كثيرة بداية من استقطاب المواطنين للانضمام إليها، مرورا بالمبادرات الخيرية، نهاية بالنشاط السياسى وخوض الانتخابات.
ولكى تترسخ صورة الأحزاب ودورها فى عقول وقلوب الجماهير تحتاج وقتا طويلا.
نعم هناك ضغوط حكومية طوال الوقت، ومنذ سنوات طويلة، لكن الطريقة التى أعلن بها البعض نيته خوض انتخابات الرئاسة كانت «تهريجا كاملا»، لا ينبغى أن تتكرر.
لو كنت مكان الأحزاب المختلفة لكان الهدف الأساسى فى هذه اللحظة، هو البحث عن مرشحين أكفاء يمثلونها فى الانتخابات المحلية، مرشحين يفضل أن يكونوا شبابا واعيا ومثقفا ونظيفا ولم يتم إفساده بعد، حتى يمكننا أن نجدد ونغير النخبة التى جثمت على صدر العمل السياسى ولا تزال بصورة كابوسية.
هناك بوادر ومؤشرات على أن بعض الجمعيات والهيئات والقوى بدأت تبحث عن مرشحين للمحليات، وهناك تقديرات بأن بعض هذه الجمعيات قام بمبادرات مهمة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة كتدريب عملى لخوض المحليات، وهناك تقارير ثالثة بأنه يتم التجهيز فعلا لقوائم كاملة من مرشحى المحليات، فهل تتحرك بقية القوى السياسية والمدنية للمساهمة الجادة فى هذا الحراك؟!!.
السؤال مرة أخرى للأحزاب المختلفة: ماذا تنتظرون كى تستعدوا لكل أنواع الانتخابات، وإلى متى تتحركون فى اللحظات الأخيرة؟!.
لماذا لا يبدأ كل حزب أن يفكر من الآن مثلا، فى قوائم مرشحين للانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى يبدءوا فى التواصل، مع أبناء دوائرهم، لكى يكونوا معروفين ومؤثرين، ولا يشكوا لاحقا، من أنهم يخوضون التجربة للمرة الأولى وفى وقت متأخر؟!.
لماذا أيضا لا يفكر كل حزب فى البحث والاستقرار على مرشحين لرئاسة الجمهورية من الآن، حتى لا تتكرر المأساة التى رأيناها فى الأسابيع الماضية؟!
مرة أخرى العمل السياسى متعب ومكلف ومرهق، خصوصا فى البلدان التى تمر بفترات انتقالية مثل مصر. وبالتالى فمن يتصدى له ينبغى أن يكون واعيا وصبورا ومستعدا ومضحيا ولديه حد أدنى من الضمير والإيمان بأهمية هذا البلد، ولا يبحث عن جاه أو منصب أو سبوبة أو تأمين مصالحه الخاصة بصفقات تحتية!.
البعض سيرد على هذا الكلام ويقول ولماذا لا توجه كلامك للحكومة والنظام، بأن تخفف ضغوطها على المعارضة والمعارضين وكل من يختلف معها؟!.
والإجابة إننى أفعل ذلك طوال الوقت، وأقول لهم: « من مصلحتكم وجود قوى سياسية مدنية حقيقية».
لكن لنفترض أن الحكومة رفضت النصيحة، فهل تضع الأحزاب يدها على خدها وتكتفى بـ«الصراخ والولولة»، أم تبحث عن طرق ووسائل لإحداث ثغرة فى الجدار السميك للمشهد السياسى؟!.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع