حتى لا ننسى فإن العامل الأساسى الذى دفع المصريين للثورة على حكم جماعة الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، كان إحساسهم وإدراكهم أن الجماعة تريد الاستئثار والانفراد بحكم مصر.
نتذكر أنه قبل الثورة فإن الذين اشتكوا من محاولات أخونة الدولة لم تكن القوى المدنية فقط، بل ايضا حزب النور السلفى الذى تحالف لفترات طويلة مع الجماعة، ثم اختلف معها حينما اكتشف وجهها الحقيقى.
حتى لا ننسى أيضا فإن غالبية القوى السياسية المصرية قبلت أحكام وقواعد اللعبة الديمقراطية، وارتضت بسيطرة وهيمنة وحكم جماعة الإخوان ومعها بقية قوى الإسلام السياسى على غالبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى فى نهاية ٢٠١٢. ثم قبلت أيضا حكم الصندوق، وارتضت انتخاب مرشح الجماعة محمد مرسى رئيسا للبلاد فى يونيو ٢٠١٢، وهو ما فعلته بقية مؤسسات الدولة وفى مقدمتها القوات المسلحة، التى قام مرسى بإقالة وزير الدفاع حسين طنطاوى ورئيس الأركان سامى عنان فى ١٢ أغسطس ٢٠١٢.
وقتها ارتضى الجميع الاحتكام لقواعد الشرعية. ورأينا بعدها أن غالبية القوى السياسية تعاملت مع محمد مرسى وجلست معه، وبعضها قدم له النصح.
لم يتحرك أحد ضد «دولة الإخوان» إلا بعد انقلابهم الفعلى على الشرعية، وإصدارهم الإعلان الدستورى فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، الذى أعطى إشارة واضحة بأن الجماعة بدأت أخونة الدولة قولا وفعلا.
بعد هذا اليوم تشكلت جبهة الإنقاذ، وكان واضحا أنها ضمت مختلف الأطياف والألوان السياسية، بما فيها قوى محسوبة على تيار الإسلام السياسى، لكنها شعرت أن جماعة الإخوان تقود البلاد إلى هاوية بلا قرار.
ومنذ إصدار الإعلان الدستورى فى نوفمبر، وحتى طرد الإخوان من الحكم فى يونيو، لم تلاحظ الجماعة، أنها صارت وحيدة، وأن الجميع ضدها، ليس فقط القوى السياسية، ولكن الغالبية الشعبية، رغم أن كثيرين نصحوها أكثر من مرة بالتوقف عن السير فى الطريق المنفرد.
يقول البعض إن انحدار الجماعة للهاوية، كان قدرا لا مفر منه، لأن أفكارها هى التى حتمت عليها السير فى هذا الطريق الوعر، وبالتالى فلم يكن ممكنا انقاذها من هذا المصير.
سيسأل البعض ويقول وما هو الجديد الذى تقصده من هذا الكلام الذى صار معروفا للكثيرين؟!.. الإجابة من شقين:
الأول: أن تتعلم أى قوة سياسية أو اجتماعية فضيلة مهمة جدا اسمها المراجعة أو النقد الذاتى، وعدم التمترس تحت لافتة وشعار «أرى ما لا ترون»، و«أننا أوتينا الحكمة الكاملة وامتلكنا استاذية العالم». لا يوجد هناك شخص أو حزب أو جماعة أو زعيم «كامل من مجاميعه». الصواب والخطأ امر طبيعى بين البشر، والأفضل هو من يراجع أخطاءه أولا بأول.
الشق الثانى: أن على الحكومة والدولة وسائر الأجهزة أن تتعلم درسا مهما من دروس ٣٠ يونيو، وهو ألا تكرر الأخطاء الجسيمة التى وقعت فيها جماعة الإخوان، وجعلت الشعب ينقلب عليها، رغم أنه هو نفسه الذى انتخبها وأعطاها غالبية مقاعد البرلمان، ومنصب رئيس الجمهورية.
من المهم أن تراجع الحكومة نفسها فى الانتقادات والملاحظات والأخطاء التى تأتى من القوى المعارضة الوطنية، أسوأ شىء أن تكرر الحكومة نفس خطأ جماعة الإخوان، حينما اعتقدوا أنهم «يملكون الصواب واليقين المطلق»، وظلوا يعتقدون أن مجمل المتظاهرين يوم ٣٠ يونيو هو أقل من ١٥٠ ألف شخص، ثم أفاقوا على ٣٠ مليون متظاهر قالوا لهم: «ارحلوا..لا نريدكم».
أمام الحكومة وأجهزتها فرصة ذهبية للتواصل مع سائر قوى المجتمع السياسية والاجتماعية المؤمنة بالقانون والدستور.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع