بقلم-عماد الدين حسين
كل وسائل الإعلام سواء كانت تقليدية أو إلكترونية، قديمة أو حديثة، وكذلك البيانات، هى مجرد وسائل محايدة، يمكنها أن تكون نعمة كبيرة أو نقمة شديدة، والعامل الأساسى هو وعى الناس المستخدمين وطريقة الاستخدام.
هذه النتيجة أعرفها وأدركها منذ زمن، لكن سمعتها مجددا يوم الإثنين قبل الماضى فى الندوة التى عقدها المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بعنوان «الاستفادة من الجمهور العام فى توفير بيانات أهداف التنمية المستدامة».
بالأمس عرضت بالتفاصيل فى هذا المكان للجوانب الايجابية والخيرية لهذه «البيانات الكبيرة».
واليوم نسأل ماذا عن الجانب السلبى؟
الإجابة لا تحتاج إلى اجتهاد أو تنظير فما كشفته فضيحة شركة «كامبردح اناليتكا» قبل شهور، أظهر لنا خطورة هذا الوحش الأسطورى.
صار معروفا للجميع أن هذه الشركة البريطانية المختصة بتحليل البيانات تلقت حسابات أكثر من خمسين مليون ناخب أمريكى، وقامت باستهدافهم عبر رسائل مدروسة بعناية، وبعضها غير دقيق، قبل فترة قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر ٢٠١٦، والنتيجة أن بعض هؤلاء الناخبين ربما يكونوا قد تأثروا بهذا الاستهداف الممنهج، وصوتوا لصالح ترامب.
حينما تكشفت هذه الفضيحة انكشفت بعض عورات الفيسبوك، وتعرض مايكل زوكربرج لاستجوابات مطولة فى الكونجرس ووسائل الإعلام اضطرته إلى الاعتذار مرارا وتكرارا، فى حين أن الشركة البريطانية أفلست وأغلقت أبوابها.
اليوم نسأل مجددا إذا كانت شركة بريطانية، قد استطاعت أن تخدع خمسين مليون ناخب أمريكى.. أليس من المنطقى التساؤل حول سهولة تحقيق ذلك فى البلدان النامية والمتخلفة و«منعدمة الوعى»؟!
نترك الإجابة حينا، ونشير إلى تعليق للدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق خلال الندوة الاخيرة، حينما أشار إلى النقطة السابقة، إضافة إلى مدى وجود تشريعات مصرية تمنع تكرار ذلك فى مصر.
الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز بصيرة، قال إن القانون المصرى يحافظ على سرية البيانات، لكننا نحتاج أيضا إلى الكثير من الجهد فى موضوع الحوكمة.
المطلوب بسرعة أن تكون هناك المزيد من الضوابط والنزاهة والشفافية، حتى لا يتم خداع الجمهور، خصوصا فى مسألة توظيف البيانات وعرضها وتحليلها.
الدكتورة هبة صالح تؤكد على أن التكنولوجيا منصة واحدة، لها وجه جميل وآخر قبيح.
وسائل التواصل الاجتماعى تحديدا يمكنها عبر تطبيقاتها المختلفة أن تكون منصة للخير الوفير،حيث يمكن لشخص أو هيئة أو جهة أو دولة فى أقصى شمال الكرة الأرضية أن يقدم العديد من الخدمات والتسهيلات والنصائح المجانية لشخص أو هيئة أو جهة أو دولة فى أقصى جنوب الكرة الأرضية.
لكن فى نفس الوقت، فإن هذه المنصة يمكن للتنظيمات المتطرفة من كل الأديان ان تشغلها لتجنيد الأطفال والشباب، وإعداد المتفجرات لترويع العالم.
الجانب المهم أيضا هو كيف يمكن تحقيق المعادلة الصعبة بين استغلال هذه البيانات للصالح العام، وبين انتهاك خصوصية أصحابها. لكن الأهم أيضا يتعلق بكيفية تطبيقها وقراءتها وتحليلها.
على سبيل المثال، صار معروفا أنه يمكن التلاعب بأى بيانات وقراءتها بطرق تخدم وجهة نظر واحدة فقط.
وهناك تحدٍ آخر يتمثل فى ضرورة إطلاع الناس على البيانات الحقيقية الكاملة، وليست تلك التى تظهر القيمة التسويقية فقط، وهل هذه البيانات عينات حقيقية ممثلة للناس، أم معلومات تمييزية، وهل هى بيانات لحظية تعبر عن اتجاه معين فى لحظة معينة أم لها صفة الاستدامة؟!
وسائل التواصل الاجتماعى وتطبيقاتها جعلت المعرفة شعبوية إلى حد كبير. لكن إذا لم يكن هناك رقابة وضوابط والأهم وعى الناس، وقدرتهم على التمييز بين البيانات الحقيقية وتلك «المضروبة»، فسوف تكون هناك اضرار فادحة.
من المؤكد أن البيانات نعمة لمن يملكها ويحسن استغلالها، لكن المحزن فهى نقمة على المتخلفين والجهلاء والكسالى. وبالتالى يمكن القول ان التمييز بين الفقير والغنى ليس فقط فى امتلاك الاموال، بل فى امتلاك المعلومات والبيانات القادرة بدورها على كسب المال الوفير.
فى ظل عصر انفجار المعلومات فإن الكبار لم يعودوا فى حاجة كبيرة إلى استخدام الصواريخ والدبابات والمقاتلات، يكفيهم معلومات، يغزوا بها الدول والمجتمعات الأخرى، كما يحدث أمامنا هذه الأيام الكثيرة.. السؤال: هل نحن فى مصر مستعدون لهذا الأمر؟!
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع