بقلم: عماد الدين حسين
«إسراء تدلى بصوتها على نقالة بعد ساعات من اغتصابها فى الشرقية»!!!.
هذا العنوان شديد الإثارة، وجدته منتشرا بصورة كبيرة على الفيسبوك فى وقت متأخر من مساء أمس الأول الأربعاء، باعتباره خبرا فى بوابة «الشروق».
أول مرة أقرأ هذا العنوان كان على صفحة زميل صحفى معروف. ضغطت على الخبر لكى أتأكد من صحته، فاكتشفت فقط أنه مجرد صورة، ولم يحولنى على الموقع الرسمى للشروق.
كتبت عنوان الخبر على جوجل حتى أعرف التفاصيل وأصل للحكاية، فأسعفنى موقع «فالصو» الذى لفت نظره الخبر وقام بالتحقق من الأمر، وقال نصًا فى تقريره: «إن الصفحات الموالية لجماعة الإخوان تداولت شائعة على فيسبوك، بشأن بوست مصحوب بصورة، منسوب إلى جريدة «الشروق» يزعم أن فتاة تدعى إسراء تدلى بصوتها فى انتخابات مجلس الشيوخ بعد ساعات من اغتصابها بالشرقية، لكنه بالبحث تبين عدم صحة الخبر المتداول.
وبمزيد من البحث تبين أن الصفحة الرسمية لجريدة «الشروق» على فيسبوك نشرت الخبر الصحيح عام ٢٠١٩ بعنوان إسراء تدلى بصوتها على نقالة بعد ساعات من إجرائها عملية جراحية فى الشرقية، وأن الواقعة كانت خلال استفتاء على التعديلات الدستورية.
شكرا لموقع «فالصو» على البحث والتحقق. والسؤال ما هو الهدف الذى أريد الوصول إليه من وراء هذه القصة؟!
هناك أمر صار معروفا لكثيرين وهو أن هناك جهات مشبوهة يسهل تخمين هويتها، تخصصت فى تزييف وتزوير الأخبار بهدف نشر الشائعات بكل الطرق الممكنة.
كتبت أكثر من مرة عن استخدام هذه الجهات سيئة النية لاسم وسمعة جريدة وبوابة «الشروق»، فى ترويج هذه الأخبار المضروبة، استغلالا للدقة والمصداقية والاحترام التى تتمتع بها «الشروق».
اليوم لا أكتب عن هذا الموضوع، ولكن عن الجانب الثانى من القصة، أى وقوع كثير من القراء فى فخ ومصيدة هذه الأخبار، وتصديقها فورا من دون أن يكلفوا أنفسهم محاولة التحقق منها. هم سارعوا إلى انتقاد الانتخابات والدولة والحكومة والمجتمع والجريدة التى نشرت الخبر، ولا مانع عندى أن يفعلوا ذلك فهذا حقهم، لكن شرط أن يكون الخبر صحيحا.
لا ألوم الزميل الذى وضع الخبر المضروب على صفحته كثيرا، ولا المعلقين، فالسمة العامة للغالبية تقريبا فى المجتمع أنهم يتعاملون مع أخبار السوشيال ميديا باعتبارها أخبارا صحيحة وموثقة.
الجميع يسارع إلى التصديق ولا يكلف نفسه حتى عناء الضغط على العنوان ليقرأ تفاصيل الخبر، وإذا فعل فسوف يكتشف فورا أنه مجرد عنوان مثير سرق لوجو «الشروق» ليُكسبه مصداقية لا يستحقها، أو أى موقع وبوابة صحفية أخرى كبيرة.
من صمم الخبر المضروب شرير تماما، فهو اختار توقيتًا مهمًا يتزامن مع انتخابات مجلس الشيوخ، واختار نصف معلومة صحيحة حدثت قبل عام وقام بتحويرها وتزييفها. ثم هو يدرك أن هناك بعض المصريين يعترضون على هذه الانتخابات وبالتالى سوف تجد هوى عندهم.
الهدف الأساسى من هذه الكلمات أن يتعوَّد الجميع على ضرورة التأكد من صحة الأخبار، قبل أن يسارعوا إلى تصديقها بل وترويجها.
على كل واحد من هؤلاء أن يسأل نفسه: كم عدد الأخبار التى قرأها، وتعامل معها باعتبارها صحيحة، وهى ليست كذلك؟! وبالتالى يسأل نفسه: أليس واردا أن كل أو معظم وجهات نظره فى الحياة، مبنية على أخبار خاطئة وملفقة ومضروبة؟!
ومن سوء الحظ أكثر أن الذين يقعون فى مصيدة الأخبار المضروبة كثيرون، ولا يقتصرون على فئة دون أخرى.
كنت أعتقد أن هذه المصيدة لا يقع فيها إلا الأميون أو الذين لا يتابعون الأخبار بانتظام، ثم فوجئت بأن بعض المثقفين وأساتذة الجامعات، وشخصيات عامة، تصدق أى شىء تقرأه من دون أن تكلف نفسها عناء التأكد من أنه خبر صحيح. وأعرف بعض الناس الذى يفترض أنهم مثقفون حينما تسأله: ما هو مصدر هذا الخبر؟! يقول لك: لقد قرأته فى وسائل التواصل الاجتماعى! وحينما تقول له إنها ليست مصادر أخبار موثقة، مثل وكالات الأنباء والصحف والمواقع الخبرية الكبرى لا يكترث ويتعامل معك وكأنك أتيت كبيرة من الكبائر!!.
التزوير والتلفيق صار مهنة، يمارسها الكثيرون والكتائب الإلكترونية لكل الأطراف فى العالم لا تتوقف بهدف تشويه صورة خصومها وتثبيت وترسيخ صحة ما تقوله. المطلوب من كل شخص يقرأ أى خبر أن يتأكد فقط من أنه صحيح.
الأمر سهل، ودربوا أنفسكم على اكتشاف صحة الأخبار، وفرقوا كثيرا بين ما تقرأونه نقلا عن المصادر الصحفية الموثقة والمحترمة، وبين الأخبار المضروبة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى.