حينما جاءت إمبراطورة فرنسا أوجينى لحضور حفل افتتاح قناة السويس فى ١٨٦٩ شيد لها الخديوى إسماعيل فيلا فاخرة على شاطئ القناة فى مدينة الاسماعيلية، التى كانت تدعى «التمساح» قبل أن تنسب للخديوى إسماعيل.
أوجينى مكثت فى الفيلا ٢٤ ساعة فقط، وحضرت حفلا مماثلا فى بورسعيد، كما حضرت حفلا فى القاهرة، وأقيمت لها فيلا ثانية فى جاردن سيتى قرب السفارتين البريطانية والأمريكية، وهذه الفيلا صارت المقر الإدارى لجامعة زويل. وأسعدنى الحظ ذات يوم وتجولت بين غرفها بصحبة العالم الكبير أحمد زويل.
وحينما كانت أوجينى فى القاهرة، زارت أهرامات الجيزة، وتم رصف شارع الهرم خصيصا من «أجل عيونها».
الفيلا الموجودة فى الاسماعيلية، صارت بعد تأميم القناة عام ١٩٥٦، استراحة تابعة لرئاسة الجمهورية.
بعض من المعلومات السابقة، سمعتها من أحد مرشدى القناة خلال جولتنا البحرية يوم الإثنين قبل الماضى، احتفالا بالذكرى الثالثة لحفر قناة السويس الجديدة.
بلاج الدنفاه بالفرنسية يعنى بلاج الأطفال لكن المصريين حوروا الكلمة حتى صار اسمها الدنفاه بدلا من Les enfants او«ليزانفان».
قرب هذا المكان، بنيت فيلا أوجينى. وهذا المكان شهد العديد من الأحداث المهمة، ليس فقط الاحتفال بحفل افتتاح قناة السويس الأصلية ولكن شهد أيضا استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى بقذيفة إسرائيلية خلال حرب الاستنزاف عام ١٩٦٩.
فى هذا المكان تمثال للفريق رياض وهو يشير بإصبعه إلى المكان الذى استشهد فيه. يومها أصر رياض على أن يكون بين جنوده وضباطه فى المقدمة، حتى يعاين أرض المعركة على الواقع، وشاءت إرادة الله أن يرتقى إلى السماء، ليضرب مثلا عظيما فى الشجاعة والإقدام وتحمل المسئولية.
فى هذا المكان أيضا كانت واحدة من أهم نقاط العبور من غرب القناة إلى شرقها ظهر يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣، حينما انتصر الجيش المصرى، وعبر القناة محطما أسطورة خط بارليف ومقولة، أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر.
هذا المكان تحول الآن إلى نادى الشاطئ الذى يرتاده أفراد القوات المسلحة والشعب على حد سواء ويشرف على القناة.
حينما افتتحت القناة الأصلية القديمة ظهرت مدينة الاسماعيلية، بعد أن كانت مجرد قرية يطلق عليها اسم التمساح، ومع افتتاح القناة الجديدة قبل ثلاث سنوات، ظهرت مدينة الاسماعيلية الجديدة، ولكن شرق القناة، كقاطرة للنمو العمرانى ليس فقط فى الاسماعيلية ولكن لتعمير كل سيناء.
وفى تقدير الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس فإنه عند اكتمال المنطقة الاقتصادية لإقليم القناة، سوف تنافس بقوة المناطق المماثلة إقليميا خصوصا جبل على فى الإمارات العربية المتحدة وطنجة فى المغرب، والعقبة فى الأردن، كما أن حفر القناة الجديدة جعل مصر تصبح على طريق الحرير الجديد الذى تقوده الصين.
فى الماضى كانت الحركة من الشمال للجنوب أو العكس، هى الآن صارت من الشرق للغرب أيضا، وصار «قلب العالم ينبض من جديد» حسب تعبير الفريق مميش.
قناة السويس كانت تمثل تاريخا كبيرا بكل تفاصيله الجيدة والسيئة. شارك فى حفرها مليون مصرى حينما كان عدد سكان البلاد لا يزيد عن ٤٫٥ مليون نسمة. والحروب الرئيسية التى خاضتها مصر أعوام ١٩٥٦ و١٩٦٧ و١٩٧٣ بدأت كلها من منطقة القناة. هى الآن تمثل حاضرا واعدا، وهناك رهان كبير على أن معركة التنمية الكبرى، سوف تنطلق منها. وبعد أن كانت تدار من قبل الأجانب، فقد صارت مرفقا يديره ٢٥ ألف عامل وموظف ومهندس جميعهم من المصريين.
نأمل أن يتحول ما يقال عن القناة وإقليمها الاقتصادى إلى واقع يلمسه كل المصريين أو حتى أغلبهم.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع