ظهر السبت الماضى، كنت أمر من ميدان البرلمان البريطانى، والذى يجاوره برج «بيج بن» وساعته الشهيرة، والذى يجرى إعادة ترميمه الآن.
فوجئت بحشود جماهيرية من أولاد وبنات ورجال وسيدات، يتظاهرون بطريقة صامتة، وفى طوابير طويلة، ليس فقط أمام البرلمان، ولكن فى معظم شوارع منطقة ويستمينستر التى تضم العديد من المنشآت والمعالم المهمة.
سألت المرشدة التى كانت ترافقنا ــ نحن مجموعة من رؤساء ومديرى تحرير بعض الصحف المصرية ــ فقالت إنها مظاهرات لدعم وتشجيع المثليين جنسيا كجزء من مسيرات فى بلدان كثيرة خصوصا فى أوربا. كانوا يحملون أعلاما، أو يرتدون ملابس عليها ألوان قوس قزح الذى صار رمزا لهم. وكان تجمعهم الاكبر فى الميدان أمام واحدة من أهم وأكبر كنائس بريطانيا، وهى كنيسة آبى المصنفة واحدة من أبرز المزارات السياحية فى عموم بريطانيا، ويعود تاريخها إلى ألف عام.
كان غريبا بالنسبة لى أن أرى فتيانا وفتيات، بينهم أطفال أعمارهم أقل من الثانية عشرة وسط هذه الحشود، وصولا إلى رجال وسيدات عجائز جدا تتجاوز أعمارهم السبعين.
لم يكن الأمر مقصورا على الشوارع والميادين، فوجئت بأن العديد من المنشآت الحكومية الكبرى تضع علم المثليين فوقها، ويرفرف خفاقا بجوار علم «بريطانيا العظمى»، ومن بين هذه المنشآت وزارة الدفاع التى تقع بعد البرلمان بمسافة قصيرة.
فى هذا اليوم زرت أكثر من معلم سياحى برفقة زملائى الصحفيين مثل حديقة كينجستون التى تواجه قاعة ألبرت هول الشهيرة، وكذلك «لندن آى» أو «عين لندن» التى ترى من خلالها كل لندن، مرورا بالعديد من المعالم البارزة، مثل قصر باكنجهام وحديقة هايدبارك، إضافة إلى منطقة أكسفورد التى يكثر فيها التواجد العربى بشرا ومحلات.
فى كل هذه الأماكن كان المثليون يتجولون بكل حرية مشبكين أيديهم معا أو رافعين أعلامهم.
المثليون فى بريطانيا يعتبرون عام 2014 تاريحيا، حيث تمكنوا مما يسمى بـ«قانون المساواة» الذى نص على أن زواج المثليين قانونى، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون «لحظة مهمة للبلاد»، بعد مرور 51 عاما على رفع التجريم والاعتراف بالمثلية الجنسية فى بريطانيا!!.
فى الماضى كنت أتصور أن كل الأسوياء لا يمكن لهم أن يسمحوا بمثل هذا السلوك، الذى أراه مخالفا للفطرة الطبيعية. لكن من الواضح أن المساحات التى يحصل عليها المثليون تتزايد يوما بعد يوم، وسط دعم وتأييد دولى يثير العديد من علامات الاستفهام.
رأينا وزراء رجالا يتزوجون رجالا مثلهم، كما فعل وزير الخارجية الألمانى الأسبق فيستر فيله، ولم يعترض أحد إلا عندما قيل إن رفيقه يعيش معه فى سكن تدفع الحكومة قيمته!!.
ثم رأينا ما هو أخطر، أى رجال دين يتزوجون معا، ثم حصل المثليون على حقوق أكثر فى الجيش الأمريكى بعد أن عاشوا لفترات طويلة تحت شعار «Dont Ask.. dont Tell» أى غض الطرف عن نشاطهم، بحيث لا يسألهم أحد داخل الجيش، هل هم مثليون أم لا، وإذا سألهم أحد لا يجيبون!.
لا أظن أن الحريات التى حصل عليها المثليون فى السنوات العشر الماضية قد حصلت على مثلها أى فئة أو طائفة أخرى، وكأن هناك قوى خفية تدعمهم وتساندهم وتضعهم فى أماكن حساسة فى العديد من بلدان العالم.
مرة أخرى لست واعظا أخلاقيا، لكن يصعب على المرء أحيانا أن يصمت على ما يراه من مشاهد يشيب لها الولدان!!.
فى مصر، نحن متخلفون عن الغرب فى مجالات كثيرة، لكن لحسن الحظ، فما زلنا بخير فى هذه النقطة، حتى لو كان الأمر ظاهريا. لكن المقلق والمخيف أن هناك مؤشرات وإرهاصات، تقول إن الخطر ليس بعيدا عنا. السوشيال ميديا، بدأت تربط وتدمج وتقرب من مجتمع المثليين فى كل بلدان العالم. وما حدث فى حفلة التجمع الخامس قبل شهور لفرقة موسيقية لبنانية، قيل إن بين من يديرها أو يشرف عليها أحد المثليين، دليل على ذلك، حيث رأينا من يفخر ويتفاخر بالأمر. نريد أن يتحرك الجميع دولة وحكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا وإعلاما ومدارس ومؤسسات دينية من أجل تحصين الشباب من هذه الرياح الساخنة التى تهب من مناطق كثيرة فى العالم!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع