من أعجب ما قرأت فى الأيام الأخيرة، هو استغراب بعض المواطنين العرب من الموقف الرسمى لبعض الحكومات والانظمة العربية من عدم اتخاذها مواقف رافضة ومعارضة للعدوان الأمريكى البريطانى الفرنسى، وقبله الإسرائيلى ضد سوريا بحجة ان النظام استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق.
على صفحات كثيرة فى الفيسبوك، وتغريدات توتير، بل وحتى فى مقالات مطبوعة، ومداخلات تليفزيونية نسمع استهجانا من قبل هؤلاء المستغربين لعدم وجود موقف عربى رسمى يعارض العدوان أو يمنع تدهور المأساة السورية إلى منزلقات جديدة.
هؤلاء هم اعضاء ناشطون فى «حزب المندهشون العرب». كأنهم يعيشون فى كواكب زحل أو المريخ أو عطارد، ولا يدرون ماذا يحدث على أرض الواقع فى سوريا منذ مارس ٢٠١١.
الذين نسوا الواقع والوقائع نقول لهم إن جزءا كبيرا من الشعب السورى هب فى مارس ٢٠١١، ضد حكومة وأجهزة أمنه، مطالبا بالحرية والكرامة مثله مثل غالبية الشعوب العربية. المظاهرات كانت سلمية وراقية، وتصدت لها بالطبع أجهزة الأمن بقسوة بالغة. عندها تدخلت «قوى شريرة» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لإفساد هذا التظاهر السلمى، وتمكنت من عسكرة الانتفاضة، وتكوين ما يسمى بـ«الجيش السورى الحر». وكان ذلك هدية عظيمة تلقفها النظام، ليقوم بضرب الجميع من معارضة وطنية سلمية ومعتدلة جدا، إلى معارضات مسلحة ومدعومة من الخارج.
أفلت الأمر من الجميع، ووجدنا على أرض سوريا كل أشرار الأرض. بعض الحكومات العربية خصوصا الخليجية، دعمت المنظمات المتطرفة مثل داعش والنصرة وقبلهما «الجيش الحر» لاسقاط بشار الأسد بكل الطرق، وحكومات أخرى التزمت الحياد مثل بلدان المغرب العربى، فى حين أن حكومات مثل العراق دعمت الحكومة السورية ومعها حزب الله اللبنانى.
تركيا دخلت على الخط ودعمت المعارضة بكل أنواعها، وصارت أراضيها معبرا لكل المتطرفين فى العالم إلى سوريا ومنها للعراق. وفى المقابل تدخلت إيران بكل قوتها لمساندة الأسد، وكونت ميليشيات شيعية من كل بقاع العالم بقيادة قاسم سليمانى لدعم الأسد ونظامه.
الموقف المصرى ظل محافظا على مسافة من كل الأطراف منذ اندلاع المظاهرات حتى وصول الإخوان للحكم. ونتذكر جميعا أن الإخوان ومحمد مرسى جمعوا بعض رموز التطرف فى استاد القاهرة، لحشد وتعبئة المصريين للسفر إلى سوريا للقتال ضد الحكومة. وقام مرسى بقطع العلاقات مع سوريا قبل أيام من عزله.
لكن بعد ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣، عاد الموقف المصرى أكثرا اتزانا، بل واقترب أكثر من الحكومة السورية، باعتبار أنها تحارب نفس الخصوم، أى المتطرفين.
روسيا تدخلت عسكريا عام ٢٠١٥ وتمكنت ليس فقط من إنقاذ الأسد من السقوط، ولكن لتوجيه ضربة قوية للمتطرفين. بسبب هذا التغيير على الأرض بدأ العالم يتعامل مع الأسد باعتباره مستمرا، بل إن ولى عهد السعودية قال إن الأسد باقٍ وهدف بلاده هو عزله عن إيران وليس اسقاطه.
المتغير الذى حدث هو «المفاجأة الأمريكية» قبل اسبوعين. ترامب قال إنه سينسحب من سوريا، ثم عاد وقرر أنه يمكن الاستمرار إذا دفعت السعودية الفاتورة!!. وبعدها أعلنت السعودية أنها يمكنها المشاركة فى الضربة، وهو ما أعلنته قطر أيضا عقب اجتماع أميرها مع ترامب الأسبوع الماضى. علما بأن أمريكا تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارج حدودها فى قطر، وتشن منها أغلب هجماتها فى عملياتها فى المنطقة العربية خصوصا من سوريا والعراق واليمن. وهناك دول عربية اخرى لها نفس المواقف الداعمة لامريكا والمعارضة للحكومة السورية.
بلدان عربية خصوصا فى الخليج ترى العدو هو إيران والأسد، وليس إسرائيل، وبلدان أخرى ما تزال ترى أن العدو هو إسرائيل. وبلدان أخرى لم يعد لديها موقف لأنها غارقة فى همومها.
سوريا وشعبها صارت على مائدة اللئام منذ سنوات. وبالتالى فلو أمعن المندهشون فى تأمل المأساة السورية، فسوف يتوقفون عن الاندهاش، وربما وقتها سيدركون أن مواقف بعض الحكومات العربية كانت سببا فى وصول الأزمة إلى ما وصلت إليه.
الكل مجرمون.. من الأسد وإيران إلى موسكو وواشنطن مرورا بغالبية الحكومات العربية.
وحدة الشعب السورى هى الضحية.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع