السذج والبلهاء فقط هم من يصدقون أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وبقية الدول الكبرى مهمومون فعلا بالدفاع عن السوريين. وهم أيضا من يصدقون «اسطوانة السلاح الكيماوى» فى سوريا.
قبل سنوات قليلة ربما كان البعض يصدق فعلا، أن أمريكا وغيرها شنوا اكثر من عدوان على سوريا، انطلاقا من حرصهم على المدنيين السوريين.
الآن العملية أصبحت مكشوفة وواضحة، ولا يصدقها إلا من يريد أن يستمر غارقا فى الأوهام.
البعض صدق أن الولايات المتحدة، كانت تحارب الإرهابيين فى سوريا، فعلا طوال السنوات الماضية، ثم تبين له بوضوح أنها استخدمت ووظفت داعش والقاعدة، لخدمة مصالحها، ولم تحاربها أبدا بجدية.
الجيش السورى وبمساعدة قوية من روسيا ثم إيران وحزب الله، تمكن من تحقيق انتصارات ميدانية مهمة ضد الجماعات المتطرفة والإرهابية طوال السنوات الماضية ولم يتبق إلا محافظة إدلب تحت سيطرة الإرهابيين، الذين فروا إليها من كل المناطق التى كانوا يحتلونها قبل تحريرها.
طبقا للمبعوث الأممى الخاص إلى سوريا ستيفان دى ميستورا، فإن هناك ثلاثة ملايين شخص، بينهم مليون طفل يعيشون الآن فى إدلب، وهناك نحو عشرة آلاف مسلح ينتمون لتنظيم القاعدة الإرهابى «النصرة أو فتح الشام». علما بأنه يسيطر على أكثر من ٦٠٪ من مساحة إدلب، والبقية تسيطر عليها فصائل أخرى.
الغرب أقر أخيرا بأن الجيش السورى انتصر على الإرهابيين، ولكنه يماطل ويريد الحصول على أكبر ثمن سياسى ممكن قبل الإقرار الرسمى بهذا الانتصار.
أمريكا وبريطانيا وفرنسا يعرفون تماما أن الجيش السورى لن يستخدم أسلحة كيماوية حتى لو كان يمتلكها ضد الإرهابيين فى إدلب، لأنه يعرف العواقب التى جربها أكثر من مرة.
مرة أخرى ليس معنى كلامى أن نظام بشار الأسد هو مجموعة من الملائكة مقابل الإرهابيين الفعليين. رأيى المسجل فى هذا المكان أكثر من مرة، أنه لولا الاستبداد الحكومى، منذ عشرات السنين، ما كانت هناك حرب أهلية أصلا. وما وجدت داعش وأمثالها البيئة الخصبة للنمو والانتشار واحتلال أكثر من نصف مساحة سوريا قبل أن يتم دحرها.
الدول الغربية الكبرى تستخدم شماعة الأسلحة الكمياوية لتأجيل حسم معركة إدلب. هى تتغنى ليل نهار بأنها ضد الإرهاب. لكن انتهازيتها الراهنة تفضح مواقفها وتجعلها تهدد الحكومة السورية حتى لا يتم القضاء على داعش والنصرة فى إدلب. هى تدرك أن نهاية هؤلاء الإرهابيين سينهى مبرر وجودها فى سوريا.
من المؤكد أن أى حسم عسكرى سيؤدى إلى خسائر رهيبة بين المدنيين، لكن أن يتم الضغط على الحكومة السورية، بعدم محاربة الارهابيين خوفا من موجة نزوح للمدنيين، فهذا معناه أن الغرب يريد استمرار سيطرة القاعدة على إدلب، وهو يعنى أيضا أن هذا الغرب يقر بأن الارهابيين أخذوا المدنيين فى إدلب رهينة.
وبالتالى فإذا كان الغرب ومعه تركيا مشغولين فعلا بالمدنيين السوريين، فيمكنهم إقناع النصرة ومن يدعمونهم من الفصائل المسلحة بترك أسلحته، لسحب كل الذرائع من نظام بشار الأسد.
الأسبوع الماضى قابلت دبلوماسيا أجنبيا مرموقا. هو مطلع بدقة على تفاصيل ما يحدث فى سوريا. قال لى إنه لا يتوقع معركة كبرى تشنها سوريا وروسيا وإيران فى إدلب، ويعتقد أن القصف الروسى الأخير هو لتمهيد الحل السياسى، وللضغط على تركيا كى تضغط على الفصائل التى تدعمها. تركيا تدرك أن الحرب الكاسحة ستعنى هزيمة الفصائل وبالتالى فرار مئات الآلاف إلى أراضيها، مما يعمق أزمتها الاقتصادية الراهنة.
حسب هذا الدبلوماسى، فإن أمريكا تريد من روسيا حلا سياسيا، لأن إدلب هى آخر ورقة فى يد الغرب للضغط على روسيا وسوريا. وبالتالى فالغرب يريدون شراء الوقت عبر استمرار المحادثات والمفاوضات، حتى يستطعيوا تحقيق أهدافهم السياسية هناك أو أكبر قدر ممكن منها.
الغرب كما قال وزير الخارجية الفرنسى قبل أيام يدرك أن الحرب العسكرية تم حسمها لمصلحة نظام الأسد، لكنه يبحث عن أى مكسب سياسى، سواء بتعميق هيمنة إسرائيل أو إبعاد إيران أو تمكين الأكراد، إضافة إلى أهداف أخرى متنوعة تهم كل طرف من الأطراف الذين كانوا سببا فى هذه المأساة السورية.
هذا التوصيف للدبلوماسى الدولى قريب جدا من الحقيقة. على الأقل يبدو منطقيا مقارنة بتمثيلية «الكيماوى» التى اخترعتها الدول الغربية وصدقها الكثير من المخدوعين فى المنطقة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع