بقلم : عماد الدين حسين
المسافة بالطائرة من مطار برلين تيجل إلى مطار شتوتجارت تستغرق نحو ساعة، إذا نظرت من الطائرة قبل هبوطها فسوف تكتشف أن الأرض والأشجار مكسوة باللون الأبيض، الجليد يغطى كل شىء، درجة الحرارة ثلاثة تحت الصفر، لكنها فعليا كما قالوا لنا لاحقا ١١ تحت الصفر بفعل الرياح والشعور بالبرد.
تحركنا من المطار إلى بلدة أو مدينة صغيرة جدا تسمى فرويدنشتات، المسافة استغرقت بالأتوبيس نحو ساعتين، طوال الطريق أمامك لوحة فنية أبدع الخالق فى صنعها، إنها الغابة السوداء التى تهيمن على ولاية بادن فورتمبيرج، هذه الولاية عاصمتها شتوتجارت.
ولاية بادن فورتمبيرج تقع فى جنوب ألمانيا، يحدها من الشمال ولاية هسن ومن الشرق بافاريا ومن الجنوب بحيرة كونستانس وسويسرا ومن الغرب راينلاند بالاتينات وفرنسا، تمر بها أنهار الراين، نكار والدانوب، هى إحدى أغنى ولايات ألمانيا، ونسبة البطالة فيها الأقل فى البلاد، وبها أهم شركات السيارات مثل دايملر، كرايسلر (مرسيدس)، بورشه، روبرت بوش، وليببر، وأودى، وبها أيضا مقر أكبر شركة برمجيات ألمانية «ساب إى. جى» بمدينة فالدورف، ويبلغ حجم اقتصاد الولاية 438,27 مليار يورو.
وعلى ذمة الدكتور أشرف منصور، رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة، فإن اقتصاد هذه الولاية بمفردها يضعها فى المرتبة السابعة عشرة عالميًا من حيث الناتج الإجمالى اقتصاديا.
فى الولاية أيضا الشركة التى قامت بحفر الأنفاق تحت قناة السويس، زرنا هذه الشركة والتقينا بصاحبها بصحبة الدكتور أشرف منصور، وتلك قصة تستحق أن تروى لاحقا لأنها تعكس النموذج الألمانى فى النجاح.
طوال الطريق من مطار شتوتجارت حتى المدينة كانت هناك لوحة طبيعية أبدع الخلاق سبحانه وتعالى فى صنعها وهى الغابات السوداء، أشجار كثيفة يغطيها الثلج فى هذه الفترة من العام وتمتد على مدد الشوف.
لون الأشجار الحقيقى ليس أسودا، ولكنه بنى غامق أو يميل إلى اللون الزيتى بفعل تفاعل الأمطار مع لون الخشب البنى، لكن سميت بالسوداء، لأن من ينظر إليها من بعيد أو من الأعلى بالطائرة، يراها سوداء، وتمثل جانبًا مهمًا من الثروة الخشبية التى تتمتع بها ألمانيا، وعندما وصلنا إلى المدينة الصغيرة، كانت الثلوج تغطى الشوارع، باستثناء الطريق الذى تسير فيه السيارات الذى يتم كسح الجليد فيه بصورة منتظمة.
خرجنا من المدينة إلى منتجع دولنبرج، واستمر السير وسط الغابة السوداء، لكن هذه المرة كان الطريق أكثر سحرا، لكنه أيضا أكثر خطرا، حيث ظللنا نصعد وسط جبال مرتفعة للغاية، لدرجة أصابت البعض بالقلق وهو ينظر إلى الوادى السحيق فى الأسفل.
حينما وصلنا إلى الفندق الواقع فى أعلى نقطة فوق الجبال، كان الجليد يغطى جميع البيوت المجاورة وكذلك بقية الجبال والسفوح المجاورة.
وصلنا إلى المنطقة فى الرابعة والنصف عصرا، ولم يكن هناك شخص واحد يسير فى الشارع بسبب شدة البرد الناتج بالأساس عن شدة الهواء البارد، والتى عجزت «طبقات سميكة من الملابس والجواكت والطواقى والكوفيهات عن مقاومته»!.
الطبيعة خلابة، وملايين الناس يأتون إلى هذا المكان خصوصا فى الصيف للسياحة العلاجية والاستمتاع بالتزحلق على الجليد لعشرات الكيلومترات، لكن السؤال الذى خطر على ذهنى أيهما أفضل: هذا المنظر البديع واللوحة الخلابة التى تتمنى أن تلتقط فيها الصور التذكارية. أم مناخنا فى مصر، الذى نعتقد خطأ هذه الأيام أنه بارد وشتائى، رغم أن درجة الحرارة لا تقل عن ٢٥ درجة وفى النهاية تمنيت أن نحصل على المناخين معا، دفء مصر الذى لا يضاهى وطبيعة ألمانيا الساحرة والأهم نظامها وانضباطها وتقدمها، فهل يحدث ذلك ذات يوم؟!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية