عصر يوم الخميس الماضى كتبت عبارة «رقصة كيكى» باللغة العربية على موقع البحث العالمى الشهير «جوجل»، وفوجئت بأن عدد المواد الموجودة هو ٢٢٢٠٠٠٠٠ ما بين اخبار وموضوعات وفيديوهات.
ترددت أكثر من مرة فى الكتابة عن هذا الموضوع خوفا من أن يتهمنى البعض بالتفاهة والسطحية، وإشغال الناس فى موضوعات بلا قيمة، وتجاهل العديد من الموضوعات والقضايا والمشكلات اليومية المهمة جدا.
لكن عندما رأيت رقم ٢٢ مليون مادة على جوجل حسمت أمرى، مركزا على نقطة مهمة وهى خطورة مثل الموضوعات فى المستقبل، وكيف يمكن لأغنية أو رقصة أو صرعة أن تنتشر بهذا الشكل فى كل مكان بالعالم.
قبل الدخول فى الدلالات نلفت النظر إلى أن رقصة كيكى أو «تحدى كيكى» يؤديها الفرد بعد ترجله من السيارة أثناء سيرها، على أنغام أغنية النجم دريك وعنوانها «in my feeling».
أول من قام بهذا التحدى هو النجم العالمى شيغى بعد أن نشر لنفسه مقطع فيديو، وهو يرقص على أنغام الأغنية فى نهاية يونيه الماضى. بعدها تجاوز عدد المشاهدات أكثر من ٦ ملايين مشاهدة عبر حساب النجم على موقع انستجرام.
وفى أقل من أسبوع شارك فى التحدى ١٥٠ ألف شخص، وفى الفترة الأخيرة صارت «رقصة أو تحدى كيكى» موضة وصرعة عالمية.
رأينا العديد من النجوم والفنانين والشخصيات العامة والمواطنين فى كل العالم يصابون بحمى هذه الرقصة، من أول المطربين والشعراء ونهاية بعمال يركبون على سيارات كارو. فوجئنا بأن الظاهرة فى مصر تنتشر كالنار فى الهشيم. شاهدت فتاة تؤدى الرقصة على إحدى قصائد شاعر العامية المتميز هشام الجخ وبصوته، ورأيت عاملا يركب على كارو يجرها حمار، يؤدى الرقصة، ولكن بصورة ساخرة، وما بين هذين النموذجين، كان القاسم المشترك الأعظم هو فتيات ينزلن من سياراتهن يؤدين الرقصة، لمدة لا تزيد عن دقيقة.
ولأن الموضوع صار منتشرا، سمعنا أن دار الإفتاء المصرية أفتت بعدم جواز أداء هذه الرقصة، ثم قرأنا أن الدار تتبرأ من هذه الفتوى، وتؤكد أنها لم تناقش الموضوع، موجهة نصيحتها للناس بالتركيز على ما يفيديهم.
للأسف الوعظ لم يعد وحده كافيا فى مثل هذه القضايا، التى صارت مرتبطة ارتباطا لصيقا بوسائل التواصل الاجتماعى.
خطورة رقصة أو تحدى الكيكى ليس لأنها رقصة أو أمر تافه، ولكن لأنه صار فى قدرة أى شخص أو هيئة أو جماعة بصورة شخصية أو منظمة أن يفرض مزاجه أو أجندته على العالم بأكمله.
فى الماضى كانت الحكومات والدول وأجهزة الأمن فيها، تستطيع بجرة قلم أن تمنع البث الإذاعى أو التليفزيونى أو توزيع هذه الصحيفة أو تلك المجلة، حتى تمنع دخول آراء وأفكار مغايرة، قد ترى فيها خطرا على الأمن أو الرأى العام سواء كان ذلك عن حق أو باطل.
الآن صار ذلك مستحيلا، إلا إذا قامت الدول بوقف كامل لوسائل التواصل الاجتماعى، وهو أمر يصعب تنفيذه بصورة كاملة، إلا اذا قررت هذه الدولة ان تنعزل بالكامل عن العالم.
هل من نفذ «تحدى كيكى» كان يعلم بأنها ستنال كل هذا الانتشار والتأثير؟
سواء كانت الإجابة بنعم أو لا، فإن هذه الرقصة، أثبتت للمرة المليون أن الحدود بين الدول صارت أمرا من الماضى، وأصبح بمقدور أى شخص عاقل أو مجنون أن يؤلف فكرة أو شعارا أو رقصة، ويجعلها تلف العالم أجمع من وراء ظهر كل الحكومات والسلطات وأجهزة الامن.
خطورة «رقصة كيكى» أن فكرة الاختراق الخارجى بالأفكار صارت أمرا محققا ومشاعا، ويحدث كل يوم، وأن البلدان الخارجية، لم تعد فى حاجة ماسة إلى جيوش بصواريخ ودبابات وقذائف وطائرات وجنود لكى تحتل دولة أو منطقة.
يكفى أن تكون هناك فكرة أو لقطة أو مقطع فيديو مبتكر، ويتضمن إعلانا تجاريا أو رقصة أو أغنية أو مشهدا من أى فيلم لكى يخترق عقول وقلوب الناس فى أى مكان بالعالم.
السؤال: كيف يمكن مواجهة ذلك إذا كان الأمر يتعلق فعلا بصياغة عقول الناس العاديين، وفى اتجاه يخالف كل الاتجاهات السائدة فى العادات والتقاليد والاعراف والاديان والاخلاق؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع