قبل نحو أسبوعين تلقيت دعوة كريمة من مجلس الأعمال المصرى الكندى الذى يترأسه معتز رسلان، لحضور جلسة نقاشية يتحدث فيها اللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربى عنوانها: «دور الإنتاج الحربى فى مساندة الاقتصاد المصرى».
العنوان ملفت ومثير، وكثيرون يتحدثون همسا فى هذا الموضوع، من دون الوصول إلى نقاط اتفاق تحسم الجدل حوله.
ألغيت موعدين مهمين محددين سلفا، ولم أتردد فى قبول الدعوة لأسباب كثيرة، منها العنوان الملفت، ومنها أيضا تقديرى واحترامى الكبيرين للوزيرالعصار، الذى لعب دورا مهما فى المشهد العام منذ ٢٥ يناير وحتى هذه اللحظة. هو يتمتع بعلاقات واسعة مع غالبية القوى والشخصيات السياسية فى مصر، للدرجة التى تدفع البعض للقول إنه هو «السياسى الوحيد» تقريبا فى الحكومة المصرية رغم خلفيته العسكرية، مقارنة بالعديد من المسئولين المدنيين التكنوقراط، المنفصلين تماما عن السياسة بمعناها الواسع.
دخلت قاعة اللقاء الواسعة فوجدتها ممتلئة عن آخرها، علما أن غالبية المدعوين دفعوا اشتراكا للتسجيل والحضور. كان هناك جمع كبير من الوزراء الحاليين والسابقين ورؤساء الهيئات والمؤسسات ورجال الأعمال والمستثمرين.
العصار تحدث لمدة نصف ساعة عن أن الإنتاج الحربى منظومة متكاملة ومتفردة. جوهر محاضرة العصار دار حول المحاور الخمسة الرئيسية فى الإنتاج الحربى، التى يراها متحققة وواضحة، مقارنة بغيابها عن العديد من المؤسسات الصناعية الأخرى.
المحور الأول هو التصنيع، وقال إن وزارته تملك ١٧ مصنعا. والمحور الثانى هو البحث والتطوير وتهتم به الوزارة بصورة واضحة. والمحور الثالث هو مركز نظم المعلومات، حيث ساهم مع وزارة التموين فى عمل بطاقات التموين بالكامل، وكذلك توفير قاعدة بيانات تخص ٨٠ مليون مواطن. والمحور الرابع هو التدريب الذى قال إنه يتم على أرقى مستوى، ويتعامل مع أوائل الخريجين فى الجامعات المصرية. والمحور الخامس هو الإنشاءات سواء كانت مستشفيات أو مدارس.
يقول العصار إن الإنتاج الأساسى للوزارة موجه لتلبية حاجة القوات المسلحة مما تحتاجه مثل الأسلحة المختلفة والدبابات والقواذف والمدافع والذخائر والمفرقعات.
وبعد ذلك يأتى دور الإنتاج الموجه للقطاع المدنى، مثل المخابز ومحطات تحلية المياه والمحركات وأجهزة التكييف ومصانع تطوير المخلفات وألواح الخلايا الشمسية، والأجهزة المنزلية المختلفة. قال العصار إنه تم بنجاح إنتاج عداد كهرباء ذكى مصرى بالكامل، ومعدات للطاقة الشمسية ومضخات ضغط عالى، وكذلك التعاون مع علماء مصريين بالخارج وبالأخص فى كندا ومنهم عبدالحليم عمر وهدى المراغى ومحمد محمود.
يقول العصار إن الإنتاج الحربى بدأ بقوة منذ ٥٤ عاما فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والآن يتم الإضافة والتطوير على هذا البناء الجيد للمؤسسة، حتى تصبح صناعية متطورة، وتحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى، خصوصا أن عملية الإصلاح الاقتصادى وتطوير التشريعات المختلفة المتعلقة بالإنتاج والاستثمار، قد بدأت تؤتى ثمارها. إضافة إلى وجود سوق مصرية كبيرة تضم ١٠٠ مليون شخص، وسوق عالمية مفتوحة تقوم على التنافسية، وكل ذلك يجعل أى إنتاج جيد يجد طريقه إلى الأسواق المحلية أو الدولية.
قطاع الإنتاج الحربى كما يقول المسئول الأول عنه يتعاون مع كل هيئات ومؤسسات ووزارات الدولة المختلفة.
الرسالة المهمة التى أعجبتنى فى كلام العصار، وأعتقد أنها لاقت استحسان الكثيرين، هى أن القطاع الخاص جزء من الصناعة الوطنية، والمطلوب هو التكامل بين الجميع، وقال نصا: «لن نستحوذ ولا نبغى الهيمنة أو السيطرة، وأعداء النجاح فقط هم من لا يريدون التكامل بين قطاعات الإنتاج المختلفة فى الدولة سواء كانت عامة أو خاصة».
العصار قال بوضوح «إن القطاع الخاص المصرى يتميز بالجودة والإدارة الحديثة، ومفيش إنسان عاقل يتمنى أن يضر بالقطاع الخاص لأنه يمثل ٨٠٪ من الاقتصاد الوطنى». هو قال أيضا إن الوزارة غير مستثناة من دفع الضرائب والجمارك، وإنها غير مدعومة من الدولة.
ورأيه أنه لابد من الانتقال من مرحلة التجميع إلى التصنيع، وكذلك التوسع فى الصناعة الحقيقية القائمة على المعرفة وامتلاك القدرات والقدرة على التصميم وتوطين التكنولوجيا، وكل ذلك لابد أن يتم عبر التعاون بين الوزارات المختلفة ومراكز البحث العلمى المختلفة، خصوصا فى الجامعات.
ما قاله العصار عن الانفتاح على التعاون مع القطاع الخاص مهم جدا، وكذلك الاهتمام بالبحث العلمى الحقيقى، ونتمنى أن ينتقل هذا النوع من التفكير العلمى المرن والحديث إلى كل الهيئات والمؤسسات، لأنه لا تقدم ولا نهضة دائمة دون مشاركة الجميع فى البحث والتفكير والإنتاج، وقبل ذلك وبعده التوافق العام.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع