قبل أيام نشرت مجلة فوربس المعروفة، تصنيفا جديدا للمدن الأكثر تلوثا فى العالم. ومن سوء الحظ أن القاهرة احتلت المركز الأولى من حيث تلوث الهواء والضوء والضوضاء، فى حين أن مدينة زيورخ السويسرية، جاءت كأنظف مدينة.
بعد القاهرة جاءت كل من، دلهى، بكين، موسكو، اسطنبول، توانغتشو، شنغهاى، بونيس ايرس وباريس ولوس أنجلوس.
التصنيف الذى اعتمدت عليه المجلة هو مقياس الجسيمات فى الهواء وكذلك مستويات التلوث البصرى، إضافة إلى التلوث الضوضائى.
التقرير ــ الذى أعده خبراء بمؤسسة «إيكو إكسبرت» الأمريكية ــ أرجع السبب إلى قلة الأمطار والمناخ الحار وشوارع المرور الضيقة، التى تؤدى إلى احتجاز الملوثات فى الهواء فوق المدينة.
بحسب التقرير فإن سكان القاهرة يتنفسون الهواء الملوث بدرجة أكثر خطورة وبمعدل أكثر 11.7 مرة مقارنة بالمعدلات الآمنة التى أوصت بها منظمة الصحة العالمية.
وطبقا للتقرير فإن ٩ من كل ١٠ أشخاص فى جميع أنحاء العالم يتنفسون هواء ملوثا، فى حين يموت ٧ ملايين شخص سنويا بسبب التعرض للجسيمات الدقيقة فى الهواء الملوث الذى يتوغل فى عمق الرئتين والقلب والأوعية الدموية مما يسبب أمراض السكتة الدماغية والقلب وسرطان الرئة وانسدادها والتهاب الجهاز التنفسى.
أما سبب اختيار زيورخ كأنظف مدينة، فيعود إلى أن سكانها يطبقون ما يسمى بـ«الساعات الهادئة» بين العاشرة مساء والسادسة صباحا، وبين الثانية عشر ظهرا وحتى الحادية عشر مساء.
بعد نشر هذا التقرير الصادم، أصدرت وزارة البيئة المصرية، بيانا قالت إنه لتنفيذ مزاعم وأكاذيب «فوربس».
جوهر الرد يتلخص فى أن مصدر بيانات التقرير غير محدد بشكل واضح، وأن إصدار مؤشرات جودة الهواء يتطلب أعمال رصد تتم على مدار العام بشكل علمى منهجى، وهو يتم فى مصر من خلال الشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء المحيط، التابعة للوزارة، وأن بيانات التقرير ليس مصدرها الوزارة.
يقول الرد أيضا إن التقرير اعتمد على مؤشر واحد فقط هو «الجسيمات الصلبة العالقة»، وأغفل خمسة مؤشرات مهمة هى مستويات غازات ثانى أكسيد الكربون والأوزون، وثانى أكسيد النيتروجين والرصاص، وثانى أكسيد الكبريت. ويضيف الرد أن نتائج الشبكة القومية للرصد لعام ٢٠١٧ أوضحت عدم تجاوز الملوثات الخمسة للحدود القصوى ومعايير منظمة الصحة العالمية. فى حين اعترف الرد، بأن المتوسط السنوى للجسيمات الصلبة، ذات القطر أقل من ١٠ ميكرومتر، قد تجاوز المعيار السنوى المقرر قانونا.
يضيف رد وزارة البيئة أن تصنيف مصر قد تقدم وصارت فى المرتبة ٦٦ عالميا بدلا من المركز ١٠٤ من بين ١٨٠ دولة، فى مؤشر الأداء البيئى العالمى الذى يتم إعداده من قبل مراكز متخصصة فى جامعتى ييل وكولومبيا ومنتدى دافوس والاتحاد الأوروبى.
حرصت على وضع مضمون تقرير فوربس، وكذلك تقرير وزارة البيئة، حتى يطلع القارئ على وجهتى النظر للموضوع.
السؤال الآن: هل هناك مصلحة لفوربس أن تضع القاهرة فى المرتبة الأولى للاساعة إليها؟!.
لا أملك إجابة شافية، ولا أعرف ما هو الدافع الذى يدفعها لفعل ذلك، خصوصا أن فى ترتيب المدن الأسوأ عالميا هناك ثلاث مدن صينية كبرى، وهناك باريس الفرنسية ولوس أنجلوس الأمريكية وموسكو الروسية واسطنبول التركية ودلى الهندية وبوينس ايرس الأرجنتينية.
بالطبع لست خبيرا فى شئون البيئة والتلوث، وربما تكون هناك آليات مختلفة لقياس نسب التلوث بين وزارة البيئة وتقرير فوربس، وبالتالى فإن مطالعة الواقع هو أفضل حكم لإظهار الحقيقة.
الواقع مر ومرير فيما يتعلق بالتلوث فى القاهرة، وهو أمر نعيشه ونتنفسه كل لحظة وليس كل ساعة أو يوم.
هناك دوامة يعيشها غالبية سكان القاهرة يوميا. زحام المواصلات وضيق الشوارع وانتشار القمامة والمصانع والورش التى تحاصر العاصمة، والأغذية الملوثة والسلع الرديئة المستوردة، مرورا بقلة المياه وتلوث بعض شبكاتها بسبب قدمها وتهالكها نهاية بقلة الأشجار، وصغر مساحات الوحدات السكنية، والازمة الاقتصادية التى تؤثر فى مناحى كثيرة.
ثم أن هناك تقارير متزايدة تقول إن بعض الشركات والمصانع الجديدة، لا تلتزم فعليا بالمعايير البيئية، وهو أمر يحتاج إلى نقاش أوسع.
أتصور أنه بدلا من الجدل حول صحة تقرير فوربس من عدمه، فعلينا جميعا أن نبحث عن الأخطاء وأوجه القصور لدينا ونحسنها، وبعدها نتفرغ للرد على أى تقارير أخرى!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع