أرجو أن يتنبه الجميع حكومة وأجهزة ومؤسسات وهيئات ومجتمع مدنى إلى خطورة بعض الأوضاع الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المصرى. وأرجو أيضا ألا ننسى أن الكثير من الظواهر الاقتصادية ليست بفعل أسباب اقتصادية فقط، بل لأسباب سياسية أيضا، ولنا فى الانهيار الأخير لليرة التركية عظة وعبرة.
كتبت فى هذا المكان قبل أيام، أطالب بالانتباه لما حدث لبعض العملات الأجنبية مثل الليرة التركية واليوان الصينى والراند الجنوب إفريقى والبيزو الأرجنتينى.
وقلت إننا قد نجد أنفسنا ندفع ثمنا لسياسات وقرارات وأوضاع، لم يكن لنا دخل فيها بالمرة. واليوم أكرر التحذير، مضيفا إليه ضرورة التفكير ألف مرة، قبل أن يتم اتخاذ أى قرارات داخلية، نعتقد أنها منبتة الصلة، ومنفصلة تماما، لكنها شديدة التأثير على اقتصادنا.
يوم الأحد الماضى خسرت البورصة المصرية أكثر من ٢٦ مليار جنيه من قيمتها السوقية، مسجلة أعلى انخفاض فى يوم واحد منذ فترة طويلة بلغ ٣٫٦١٪ بالنسبة لمؤشر البورصة الرئيسى إى جى اكس ٣٠، وتم إيقاف التعامل على عدة أسهم رئيسية لتجاوزها نسبة هبوط أكثر من ٥٪، وفى يوم الاربعاء الماضى تواصل الهبوط بحوالى 29 مليار جنيه بنسبة 3.7%، وهو ما يعنى أن الهبوط تجاوز أكثر من 7% فى أسبوع واحد وهو أكبر انخفاض منذ نوفمبر 2017.
لماذا حدث ذلك؟!.
هناك أكثر من سبب، الأول هو ما يحدث فى الاسواق الناشئة، خصوصا تركيا التى شهدت عملتها الليرة انهيارا وصل إلى 40% من قيمتها، مما اضطر سلطاتها لرفع سعر الفائدة ٦٫٥٪ لتصل إلى ٢٤٪، فى محاولة انتحارية، لوقف الانهيار فى قيمة العملة، متجاهلة تحذيرات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بضرورة عدم رفع أسعار الفائدة باعتبارها أداة استغلالية، من وجهة نظره!.
هذا الرفع المفاجئ، فى تركيا وكذلك فى جنوب أفريقيا والارجنتين قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب الكبار، للتوجه إليها باعتبارها فرصة سانحة، رغم أن خبراء مصريين يقولون إن ذلك صعب الحدوث، لأن الاقتصاد المصرى ما يزال واعدا وجذابا مقارنة بالأزمة العميقة التى تعيشها تركيا.
وحتى قبل ارتفاع أسعار الفائدة، فإن غالبية الأسواق الناشئة، تشهد مشاكل مختلفة، مما يلقى بالشكوك حول المستقبل القريب فى هذه الاسواق.
أحد أكبر الأسباب أيضا هى سياسة ترامب الذى يشن حربا تجارية ضد الجميع تقريبا من أول جارته كندا، إلى الصين مرورا بالاتحاد الأوروبى وكذلك تركيا.
لكل الأسباب السابقة، فإن البعض يتوقع أن ترفع مصر أسعار الفائدة، أو على الأقل لا تقوم بتخفيضها كما افترض كثيرون قبل أسابيع، خصوصا بعد أن ألغت وزارة المالية ثلاثة عطاءات متتالية لطرح سندات خزانة فى السوق المحلية. يضاف إلى ذلك أيضا تراجع الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، حتى لو كان التراجع بنسبة قليلة. كما أن البعض يعتقد أن اتجاه البعض لتسييل أسهمهم، استعدادا للطروحات الحكومية المنتظرة فى الشهر المقبل، وزيادة عطاءات أذون الخزانة، سيعزز من أسباب الانخفاض.
الأسباب السابقة تحدث عنها كثيرون، لكن هناك عاملا يراه البعض مهما. وهو إعادة المتهمين فى قضية التلاعب فى البورصة إلى السجن مرة أخرى، قبل أن يتم إخلاء سبيلهم عصر الخميس الماضى، بعد قبول طلبهم برد المحكمة، وهو ما تزامن مع تحسن ملحوظ فى مؤشرات البورصة جعلها تعوض نصف خسائرها.
درس الاسبوع الماضى فى البورصة يعلمنا أن يكون تحركنا شديد الحساسية، فى مثل هذه الموضوعات، وأن نحسب الأمور بدقة متناهية، حتى لا نتفاجأ بأن «الأمور أفلتت مما يتطلب القيام بإجراءات أسوأ»، والنتيجة النهائية هى التأثير ليس فقط على البورصة، ولكن على الاقتصاد المصرى بأكمله.
دون الدخول فى ملفات أو مناطق شائكة، علينا أن نحسب كل خطوة وكل قرار أو اتجاه، ومدى تأثيره على سمعتنا واقتصادنا، علينا ألا نراهن طويلا، بأن الخارج معنا، حتى وإن أعطانا شيكا على بياض. أفضل وديعة هى الوضوح مصحوبا بالتوافق الداخلى، وأن يتم إدارة الاقتصاد على أسس اقتصادية فقط، وأن تكون هناك سياسات صحيحة، وإلا دفع الاقتصاد ثمنا فادحا.. فهل نحن منتبهون؟!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع