بقلم: عماد الدين حسين
مجلس النواب الأمريكى صوت، مساء الأربعاء الماضى، بعزل الرئيس دونالد ترامب. لكن إذا سارت الأمور بنفس الوتيرة فى مجلس الشيوخ، فإن هذا العزل سوف يتم نقضه بنسبة تصل إلى ٩٠٪، إلا إذا حدثت معجزة. وبالتالى يصبح السؤال الجوهرى: ما هو الهدف الجوهرى للحزب الديمقراطى إذا كان يدرك من البداية أن ترامب سيفلت من هذه الإجراءات؟!.
قبل الإجابة، نذكر بأن مجلس النواب الذى يسيطر عليه الديمقراطيون صوت رسميا بالموافقة على بندين لمساءلة ترامب؛ الأول يتهم الرئيس بإساءة استخدام السلطة، حينما جمد مساعدة عسكرية لأوكرانيا، لإجبارها على التحقيق مع هانتر بايدن نجل جو بايدن المرشح الديمقراطى المحتمل فى الانتخابات المقبلة (التصويت على ٢٣٠ نائبا ضد ١٩٧ نائبا). والبند الثانى عرقلة عمل الكونجرس بمنعه لبعض الشهود من الحديث أمام المجلس، (والتصويت كان بموافقة ٢٢٩ نائبا ضد ١٩٨ نائبا).
ولكى يكتمل عزل الرئيس، لابد أن يصوت مجلس الشيوخ على العزل، بأغلبية الثلثين أى ٦٧ نائبا، وللديمقراطيين فى الشيوخ ٤٥ نائبا فقط، إضافة إلى نائبين مستقلين يصوتان معهم معظم الوقت. وبالتالى فإن الديمقراطيين يحتاجون إلى تمرد ٢٠ نائبا جمهوريا على الأقل، وهو أمر مستبعد، خصوصا أن كل النواب الجمهوريين فى مجلس النواب صوتوا لصالح ترامب، بل وصوت معه ثلاثة من الديمقراطيين.
وبالتالى فغالبية المراقبين يتوقعون أن ترامب سيفلت من العزل، وهنا نعود للسؤال: ما هو هدف الديمقراطيين من هذه الإجراءات؟!.
هدف الديمقراطيين هو إنهاك ومطاردة ترامب، لكى تسهل هزيمته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى نوفمبر المقبل.
منذ فوز ترامب بالرئاسة، والديمقراطيون وأنصارهم ــ خصوصا فى وسائل الإعلام ــ يطاردون ترامب بتهمة أنه كان يعلم بأن روسيا تدخلت للتأثير فى الانتخابات، التى جاءت به رئيسا فى أوائل عام ٢٠١٧، وهو الأمر الذى تنفيه موسكو دائما. ومنذ اليوم الأول نجح الديمقراطيون فى «حشر» ترامب فى زاوية الدفاع، وتمكنوا من هز إدارته، وجرجرة العديد من مساعديه إلى المساءلات والمحاكمات، بل تم إدانة وسجن العديد منهم، ووصل الأمر إلى فضح ترامب فى العديد من القضايا الأخلاقية، خصوصا تلك المتعلقة بفتيات ليل مثل ستورمى دانيالز.
يعتقد كثيرون أن الهدف الجوهرى للديمقراطيين هو أن تؤدى هذه المطاردة لهزيمة ترامب فى الانتخابات الرئاسية، مراهنين على أخطائه المستمرة، والتى لا يبذل أدنى جهد لسترها. فى المقابل فإن سلوك ترامب الاقتحامى والمندفع والساخر، يضع خصومه دائما فى حال من المفاجأة والارتباك والدفاع. وفى ظل ضعف فرص غالبية المرشحين المحتملين ضده فى الحزب الديمقراطى، فإن نجاته من العزل فى مجلس الشيوخ، قد تكون سببا رئيسيا فى فوزه بفترة رئاسة ثانية، بصورة قد تكون أسهل من معركته ضد هيلارى كلينتون.
قد يكون هناك نواب جمهوريون يعارضون سلوك ترامب المتهور، لكنهم فى الوقت نفسه، لا يجرءون على معارضته، خوفا من القاعدة الانتخابية للحزب التى تزداد اندفاعا نحو اليمين، وبالتالى الخوف من فرص إعادة انتخابهم فى انتخابات الكونجرس المقبلة.
النقطة المهمة فى هذا الصدد أن بيانات الاقتصاد تدعم ترامب بقوة داخليا، ويوم الجمعة الماضى، عرفنا أن نمو الاقتصاد الأمريكى، ارتفع إلى ٢٫١٪، وحقق أدنى معدل بطالة منذ خمسين سنة، كما أن مخاوف الركود انحسرت إلى حد كبير. والأهم أن معركة الرسوم التجارية لترامب مع الصين، قد وفرت له مزيدا من المكاسب الانتخابية. الصين قبلت مبدئيا أن تستورد منتجات زراعية أمريكية بنحو خمسين مليار دولار، حتى لا تتوقف الحرب التجارية التى يشنها ترامب ضدها. وبالتالى فإن نتائج هذه المعركة ستصب فى صالح ترامب، ووقتها سيقول للمصدرين الأمريكيين: «لقد وفرت لكم مزيدا من فرص التصدير والمكاسب وبالتالى فرص العمل». والتقديرات أن الاتفاق النهائى بين البلدين سيكون قبل الانتخابات بفترة معقولة، وهو ما يتيح لترامب استخدامه كسلاح انتخابى. وهو ما ينطبق على علاقاته أيضا مع دول الخليج التى يراهن على عقود عسكرية واقتصادية ضخمة معها قبل الانتخابات، وهو ما يقوى موقفه، علما بأن العديد من الدول العربية تتمنى فوز ترامب، حتى لا تصطدم بمطالب الديمقراطيين المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان والتعددية السياسية.
من أجل كل ما سبق، فإن نجاة ترامب من العزل فى مجلس الشيوخ تبدو مؤكدة، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة، تتمثل أساسا فى نجاح الديمقراطيين فى إحضار شهود تحت القسم، لا يكذبون، وسيضطرون لكشف حقيقة ترامب وألاعيبه، وهو ما قد يقلب الأوضاع رأسا على عقب، وتحدث المفاجأة شبه المستحيلة.