بقلم - عماد الدين حسين
قبل نحو شهر ونصف الشهر تقريبا ذهبت إلى مقر نقابة الصحفيين لتجديد الكارنيه، وكذلك مشروع العلاج أحد الموظفين قال لى إن هناك فريقا من وزارة الصحة، يجرى الفحص الطبى لمشروع «١٠٠ مليون صحة»، صعدت إليهم، وفى ظرف دقائق معدودة كنت قد فحصت مستوى السكر وضغط الدم والسمنة. وأخذوا عينة لفيروس سى. عدت بعد نصف ساعة، وعرفت النتيجة، موظفو الفحص كانوا فى منتهى الذوق والأدب والنظام.
فى الأيام التالية، عرفت أن هذه الفرق الطبية لم تكن قاصرة على نقابة الصحفيين، بل إنها منتشرة فى غالبية الوزارات والهيئات والمؤسسات، بل والشوارع.
إذا كنت إنسانا سويا وعاقلا، فلابد وأن تحيى وتشجع وتدعم تنفيذ المبادرة أو المشروع القومى لرئيس الجمهورية للقضاء على فيروس سى، والكشف على الأمراض غير السارية وهى الضغط والسكر والسمنة، والمدرجة فى «١٠٠ مليون صحة».
وحتى لو كنت معارضا للحكومة أو النظام الحالى، فالموضوعية تحتم عليك أن تفرح بهذه المبادرة، لأنها بحق مشروع قومى حقيقى من طراز رفيع.
المبادرة مقسمة على ثلاث مراحل موزعة على المحافظات المختلفة، وقد تم فحص نحو 31 مليون مصرى فى المرحلتين الأولى والثانية، وبدأت المرحلة الثالثة فى الأول من مارس الحالى، وتنتهى فى آخر إبريل المقبل فى 7 محافظات، لفحص وعلاج أكثر من 23 مليونا، والهدف أن تصل الدولة بنهاية المرحلة الثالثة لفحص وعلاج أكثر من 45 مليون مصرى، وعلاج من يثبت إصابته بالمجان.
لا يعرف قيمة وأهمية هذه المبادرة، إلا من يدرك ماذا يعنى أن يكتشف شاب فى مقتبل الحياة أنه مصاب بفيروس سى أو أحد الأمراض غير السارية مثل الضغط أو السكر أو السمنة.
رئيس الجمهورية، كان قد كشف عن أن نسب إصابة المصريين بأحد هذه الأمراض، وصل إلى معدلات مرتفعة وهناك تقديرات، بأن واحدا من كل خمسة مصريين مصاب بها.
ما معنى ذلك؟! معناه ببساطة أن الأمن القومى للمصريين مهدد فى الصميم، حينما تكون صحة المواطنين فى خطر، فمعنى ذلك أن بقية المجالات مهددة جدا. تخيلوا رب أسرة مريض بمرض مزمن. فمن الذى سيعمل وينتج لكى ينفق على معيشة هذه الأسرة؟! وحينما تدرك أن الوعى الصحى للمصريين منخفض جدا، وحينما تعرف أن هناك ارتفاعا فى نسب إدمان وتعاطى المخدرات، فعليك أن تتخيل الصورة؟!.
كنا أعلى دولة فى نسب الإصابة بمرض فيروس سى، وبفضل هذه المبادرة الرئاسية، بدأت النسبة فى الانخفاض، لنصبح قريبا دولة عادية جدا فى نسب الإصابة، مثل بقية خلق الله.
لكن أفضل ما فى هذه المبادرة هو أنها وصلت إلى المدارس والجامعات. سيقول البعض. وهل هناك أهمية كبرى لفحص هؤلاء الشباب؟! الإجابة نعم، لسبب بسيط هو أن هناك أنماطا معيشية وغذائية سيئة قادت إلى ارتفاع نسب الإصابة بهذه الأمراض بين الشباب، وبالتالى من المهم جدا، فحصهم جميعا، لمعالجة من يثبت إصابته. للأسف الشديد كثير من الشباب خصوصا فى الريف والمناطق الشعبية، وحتى بين المتعلمين جيدا، لا يدركون أهمية الفحص الطبى الدورى الشامل أو الجزئى. وربما يكون ذلك أحد الأسباب فى الوفيات المبكرة بين الشباب. خصوصا فى ظل تراجع ممارسة الرياضة، وسوء التغذية، والتلوث بأشكاله المختلفة.
بالطبع حينما تتعهد الدولة بهذا الفحص الشامل لغالبية المواطنين تقريبا، فإن ذلك يتطلب دعما ماليا كبيرا، وحينما تتعهد بأن يكون العلاج على حسابها، فذلك يتطلب مبالغ أكبر بكثير، فى ظل عجز كبير فى الموازنة. لكن هذا الإنفاق هو الأفضل على الإطلاق، الأمر ببساطة أنه من دون مواطن سليم صحيا، فلا يمكنك الحديث عن تنمية أو تقدم أو إصلاح اقتصادى أو إصلاح من أى نوع. الانفاق على الصحة، وعلى سلامة أبدان المصريين هدف قومى يستحق كل الدعم والتشجيع.
أختلف مع الحكومة فى العديد من السياسات، لكن أتفق معها تماما فى مبادرة «١٠٠ مليون صحة». تحية شكر وتقدير لكل من دعا لهذه المبادرة أو شارك فيها، من أول الرئيس عبدالفتاح السيسى مرورا بوزيرة الصحة د. هالة زايد نهاية بكل العاملين فى هذا المشروع القومى الكبير.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع