بقلم - عماد الدين حسين
ما هى العلاقة التى تجعل عمال شركة فيات فى إيطاليا يقررون التظاهر والإضراب عن العمل احتجاجا على انتقال نجم كرة القدم البرتغالى كرستيانو رونالدو من نادى ريال مدريد الإسبانى إلى نادى يوفنتوس الإيطالى؟! وهل صار تأثير كرة القدم وتداعياتها إلى هذه الدرجة؟!.
عائلة انييلى تملك نادى يوفنتوس وكذلك شركة فيات العملاقة فى صناعة السيارات التى يقع مقرها فى مدينة تورينو.
نقابة العمال فى مصانع فيات أصدرت بيانا قبل أيام قالت فيه: «من غير المعقول أن الإدارة تطالبنا بتضحيات كبيرة وتقشف منذ سنوات سواء فى مصنع فيات أو كرايسلر، ثم تقوم نفس الإدارة بإبرام صفقة ضخمة لجلب لاعب واحد بقيمة ١٠٠ مليون يورو». النقابة دعت إلى إضراب لمدة ثلاثة أيام ابتداء من اليوم الأحد، احتجاجا على صفقة رونالدو، وطالبت مالكى شركة فيات بضرورة الاستثمار فى قوتها العاملة، من أجل تحسين وتعزيز موارد آلاف العمال والموظفين فى الشركة، بدلا من الاستثمار فى شخص واحد فقط «ويقصدون به رونالدو».
هذا الأمر يمثل إشكالية حقيقية وجديدة، ويكشف عن حجم التداخل الرهيب الذى صارت تمثله الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا فى معظم مجالات الحياة، بعد أن كان كثيرون يتعاملون معها باعتبارها «لعب عيال» وينهرون أولادهم إذا مارسوها، أو قضوا وقتا طويلا فى ممارستها بدلا من المذاكرة، ثم باتوا الآن يحلمون بأن يكرر أولادهم حكاية «محمد صلاح» أو الننى أو أى محترف كبير آخر.
السؤال: من هو الأصح: إدارة وملاك نادى يوفنتوس الذين اشتروا رونالدو بمائة مليون يورو وسيدفعون له ٣٠ مليون يورو راتبا سنويا، أم عمال وموظفو شركة فيات الذين يقولون إنهم دفعوا ثمنا باهظا نتيجة سياسات التقشف التى تتبعها إدارة الشركة وملاكها؟!.
لو اعتمدنا على النظرة التقليدية، فإن كثيرين سيقولون فليذهب أى لاعب مهما كان حجمه إلى الجحيم، إذا كان سيتسبب فى إنهاء عمل أو التأثير على حياة ومعيشة آلاف الموظفين.
أما التفكير الآخر والذى يبدو أن إدارة يوفنتوس اقتنعت به، فهو أن الملايين التى تم دفعها لشخص واحد، سوف تجلب ملايين أكثر فى صورة عائدات تجارية متنوعة من الإعلانات إلى الحضور الجماهيرى الواسع وبيع التذاكر، مرورا ببيع التيشيرتات. وأن المكاسب التى سيجنيها النادى ستكون أكثر بكثير مما سيفعله مئات العاملين معا. وقد تقول إدارة النادى أنه من المحتمل أن رونالدو قد يساعد فى تحسين الأداء الاقتصادى للنادى والمجموعة المالكة له، وبالتالى تحسين حياة العاملين فى شركة فيات. فهو صار واحدا من أشهر اللاعبين فى العالم، ولعب الدور الحاسم فى إحراز فريقه السابق ريال مدريد لبطولة دورى الأبطال ثلاث مرات، إضافة إلى دوره مع منتخب البرتغال فى مونديال كأس العالم الحالى فى روسيا.
يوفنتوس ليس أول نادٍ يدفع الملايين من أجل شراء لاعب. باريس سان جيرمان الفرنسى الذى يملكه الآن القطريون دفعوا ما يقارب مليار يورو، فى صفقة نيمار، والإماراتيون الذين يملكون نادى مانشستر سيتى الانجليزى، دفعوا أيضا مبالغ طائلة لشراء نجوم كبار، والروس الذى يملكون تشيلسى الإنجليزى فعلوا نفس الشىء.
لكن الجديد فى حكاية اليوفنتوس أن العمال فى فيات يقولون إنه ليس عدلا أن يتقشفوا هم فقط فى حين تذهب الملايين لشخص واحد، حتى لو كان فى حجم رونالدو.
الجديد الذى ينبغى أن نلتفت إليه هو المفاهيم الجديدة التى بدأت تغزو اقتصاديات كرة القدم العالمية، وبدا هناك ما يشبه المضاربة المجنونة على أسعار اللاعبين، وهو ربما ما أصاب عمال شركة فيات بالدوار!.
بعض أعراض هذه الظاهرة بدأت تدخل السوق المصرية. صحيح أنها لاتزال ضعيفة، وأكبر الصفقات تدور بين واحد أو اثنين مليون دولار، لكنها أيضا ــ للأسف ــ تدور بعيدا عن أى معايير أو أسس اقتصادية سليمة. وبعضها يبدو أنه بقصد أو من دون قصد قد يتسبب فى توجيه ضربة صعبة للاقتصاد الكروى فى مصر، فهل نحن منتبهون؟!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع