بقلم - عماد الدين حسين
فى كل مرة أحضر احتفالا يتحدث فيه أقارب الشهداء، أرى دموع غالبية الحاضرين تنهمر بلا توقف.
هذا المشهد تكرر يوم الأحد الماضى، فى الاحتفال بيوم الشهيد خلال الندوة التثقيفية رقم ٣٠، التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، وحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى والقائد العام وزير الدفاع الفريق أول محمد زكى، وقادة القوات المسلحة والوزراء والشخصيات العامة والإعلاميون.
كان يجلس بجوارى لواءات ونواب وصحفيون كبار، جميعهم بكوا بحرارة، وبصورة تلقائية حينما تفاعلوا مع حديث أهل الشهداء. وحينما قدم العميد ياسر وهبة فقرة تكريم الشهداء قال: «إنه يوم عصيب على الجميع، ولكنه مهم حتى يشعر أهل الشهداء أن جميع المصريين معهم».
على خشبة المسرح الكبير صعدت أمهات وزوجات لشهداء. تحدثن فأبكين الجميع فعلا.
مجرد أن تحكى الأم أو الزوجة عن ذكرياتها مع الابن أو الزوج، يجهش الجميع بالبكاء، حتى لو كان الحديث عاديا وبكلمات بسيطة جدا، لكنها عفوية وصادقة.
الرئيس السيسى قال: «نحن هنا لكى نخلد الشرف ومش هاقدر غير أقول إن ربنا يجمعنا بيهم فى مستقر رحمته، ويكون لينا نصيب معاهم فى المقام العالى قوى اللى يستحقوه، لأنهم قدموا أرواحهم لأجل خاطر الناس ونعيش بسلام».
الرئيس قال ايضا: «فى كل لقاء أسأل أهلى ــ يقصد أهل الشهداء ــ عما إذا كانوا يريدون أى حاجة، فتأتى إجاباتهم عجيبة: هو بعد أن قدمت ابنها أو زوجها أنا هديها إيه؟!، ولا حاجة مش هاقدر أديها حاجة لأنها قدمت أغلى حاجة، فمهما قدمنا لا يساوى حاجة مقابل ما قدموه لبلدهم».
ما قاله الرئيس صحيح تماما، ورغم ذلك يفترض أن تقدم كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى كل ما يمكن تقديمه لأهالى وأسر شهداء الجيش والشرطة والمجتمع المدنى الذين قدموا أرواحهم فداء من أجل أن يعيش هذا البلد فى أمان.
الذى يجعل هزيمة الإرهاب أمرا مؤكدا هو هذا اليقين الذى يتحدث به أقاربهم، بأنهم سعداء وفخورون بأنهم أقارب هؤلاء الشهداء. ولذلك قال الرئيس يومها «ليس غريبا على مصر تقديم الشهداء من أبنائها».
لو كان هناك أدنى تردد من المصريين فى تقديم الشهداء لكان الإرهاب والتطرف والظلام قد فرض كلمته على هذا الوطن وبالتالى فإن إصرار هذا الشعب بجميع أطيافه على الإقبال على الكليات العسكرية، هذه الأيام بصورة لافتة، رغم كل العمليات الإرهابية التى تسقط العديد من الضحايا من العسكريين، يعنى أنه لا مستقبل فعلا للإرهاب والتطرف فى بلادنا، طال الزمن أو قصر.
عندما كنت أتحدث عن بكاء الحاضرين ذات يوم وهم يسمعون قصص الشهداء، قال لى أحد الزملاء: ولماذا لا تشعر بآلام ومواجع أهالى الطرف الثانى الذين يسقطون بنيران الجيش والشرطة؟!.
قلت له الأمر بالنسبة لى محسوم، جندى الجيش أو الشرطة يدافع عن حق وعن مبدأ، ومعه غالبية الشعب. هو لم يبادر ويقتل الإرهابى. هو يقف فى خندقه أو وحدته أو كمينه أو يحرس منشأة أو دار عبادة، ثم وجد نفسه شهيدا برصاصات أو متفجرات الإرهاب.
القتيل فى الطرف الآخر الذى يسقط برصاص الجيش والشرطة، قام بتفجير العديد من الكنائس الآمنة، كما فعل فى البطرسية بالعباسية وطنطا والإسكندرية وحلوان وأطفيح. وقتل أكثر من ٣٠٠ شخص فى مسجد الروضة بسيناء، وقتل عمال وموظفى الشركات فى سيناء وطرد المسيحيين من بيوتهم ونسف محولات الكهرباء. هؤلاء الإرهابيون قتلوا الأبرياء بصورة عشوائية. هم وبدلا من الدفاع عن المسجد الأقصى فى القدس، قتلوا المدنيين وجنود الجيش والشرطة فى سيناء!!. فكيف بعد كل ذلك يمكن أن يتعاطف معهم أى شخص؟!!. شخصيا أتعاطف مع أى مظلوم وأى شخص يلقى مصرعه حتى لو كان فى بلاد الواق واق!، لكن كيف يمكن التعاطف مع شخص يريد أن يفرض علينا منطقا ونمطا غريبا من الدين والحياة؟!!. وأساء للإسلام وشوه صورته وباع نفسه لكل أعداء الدين والوطن، وحقق لهم أكثر مما أرادوه وبلا ثمن؟!
كان الله فى عون أقارب وأهالى وأصدقاء الشهداء. فلا شىء يمكن أن يعوضهم عما فقدوه، حتى لو كانت كل كنوز الدنيا.
رحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جناته، ولا سامح الله الإرهابيين والمتطرفين الذين حققوا لكل أعدائنا ما لم يحلموا به.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع