لست متخصصا فى الاقتصاد الإفريقى، لكننى شعرت يوم الأربعاء الماضى، أنه ما لم يتوقف الفساد والاستبداد فى قارتنا السمراء، فإن كل جهود الإصلاح والتنمية لن تحقق نتائج فعلية.
فى صباح الأربعاء الماضى حضرت افتتاح الاجتماع السنوى لجمعية البنوك المركزية الإفريقية فى شرم الشيخ، بدعوة كريمة من البنك المصرى.
بطبيعة الحال، أمر جيد أن يوجد هذا الجمع الإفريقى الكبير، خصوصا فى مدينة شرم الشيخ التى تعانى وضعا صعبا وهجرة سائحيها منذ سقوط الطائرة الروسية فى نهاية أكتوبر ٢٠١٥.
فى هذا اليوم كان هناك غالبية رؤساء البنوك المركزية فى القارة الإفريقية يمثلون ٥٢ بلدا. وهى المرة الأولى التى تستضيف مصر هذا الاجتماع، الذى يعد أحد أهم الأحداث الاقتصادية والمصرفية على مستوى القارة، وهو المسئول عن تطبيق التعاون النقدى للاتحاد الإفريقى والذراع النقدية للاتحاد.
يوم الأربعاء كان هو اليوم الرابع للمؤتمر الذى بدأ الأحد وانتهى الخميس، وفى هذا اليوم كانت الندوة السنوية للجمعية حيث حضرها رؤساء البنوك المركزية، وكان عنوانها: «تراجع علاقات البنوك المراسلة، وتدفقات رأس المال غير المشروعة فى إفريقيا، والتحديات والمخاطر المترتبة بالنسبة لإفريقيا».
قد يبدو العنوان طويلا، وغير مفهوم لكثيرين، لكنه يعنى فى النهاية الفساد وعمليات غسيل الأموال وأى أموال غير مشروعة تدخل وتخرج من القارة، وتؤدى إلى استمرار تخلفها وإفقار غالبية مواطنيها.
حينما تحدث طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى ركز فى كلمته على أهمية الاستقرار السياسى، لكنه أيضا أشار إلى قضية مهمة هى أن الأسواق الإفريقية انفتحت أمام السلع الأجنبية، وكان يمكن توفير جزء كبير من هذه المليارات لحل كل مشاكلنا.
ما قالته السكرتيرة التنفيذية لمفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية للشئون الإفريقية، فيرا سونج وى، هو الذى قلب المواجع على الجميع، وذكرنا بحجم المأساة التى تعيشها القارة. وقالت إن حجم التدفقات النقدية غير الشرعية وصلت إلى 1.4 تريليون دولار خلال الفترة من عام 2009 حتى الآن. وأن حجم الخسائر من التهرب الضريبى حوالى 73 مليار دولار خلال الفترة من 2005 وحتى 2015. وأن هناك 27 مليار دولار خارج قنوات التجارة الشرعية.
جانب آخر من المشكلة كشفه آلان روسولفونداريب محافظ بنك مدغشقر، حينما قال إن حجم الأموال غير المشروعة فى بند واحد هو خشب الورد المصدر لآسيا يصل إلى ٢٥٩ مليون دولار فى عام واحد، والأمر يتكرر فى مجالات متعددة مثل الأحجار الكريمة ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات والمناجم، كاشفا عن وجود ثغرات فى أموال غير مشروعة تترافق دائما مع المواسم الانتخابية.
مدير ومقدم الندوة قال: إننا نحتاج لتعزيز الجهود لمحاربة هذه الظاهرة وكذلك معالجة أنظمة الدفع بالجملة وأسعار التحويل للعملة، والبداية هى ضرورة توافر الإرادة السياسية.
هذا هو الواقع المرير، والمضحك المبكى أنه قبل بداية هذه الندوة كنت قد قرأت أن هناك اقتراحات بإنشاء بنك وعملة موحدة للقارة الإفريقية. طبعا هذا حلم نتمنى تحقيقه، مثلما حلمنا بعملة موحدة وسوق عربية مشتركة، والمأساة أنه مع استمرار ظاهرة الأموال غير المشروعة، لن تكون هناك تنمية أو تقدم، وبالتالى لن نشهد بنكا أو عملة موحدة. والكلام العملى هو ما قاله طارق عامر فى المؤتمر الصحفى الختامى، بعد أن تسلم رئاسة الجمعية، حينما وضع مجموعة من الاشتراطات، إذا تحققت يمكن وقتها الحديث عن العملة الموحدة.
الواقع يقول إن هناك شبكة أخطبوطية وتحالف شيطانى بين مافيات داخلية وخارجية فى القارة الإفريقية هدفها استمرار هذا النهب المنظم لثروات القارة. هذا النهب من قبل الخارج، يحتاج ببساطة إلى طرف متواطئ فى الداخل. هذا الطرف يكون أحيانا من كبار المسئولين فى جميع المجالات أو لوبيات اقتصادية، وبالتالى يصبح من مصلحة هذا «الخارج» ألا تكون هناك مؤسسات أو حكومات قوية، وألا تكون هناك انتخابات وديمقراطية حقيقية، لأن ذلك يعنى وجود مؤسسات حقيقية ستمنع هذا الفساد والنهب المنظم لثروات القارة خاصة المواد الخام، بحيث تظل القارة مجرد سوق استهلاكية لسلع العالم المتقدم، سواء كان هذا العالم فى أوروبا وأمريكا أو الصين.
الملام فى جلسات يوم الأربعاء الماضى ذكرنا أن «كلنا فى الهم أفارقة»، بعد أن كنا نظن أننا فقط «كلنا فى الهم شرق»!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع