هل يفترض أن يكون لدى الوزراء وكبار المسئولين حسابات شخصية على الفيسبوك وتويتر، أو على الأقل اهتمام بما يجرى فى هذا العالم العجيب والمريب؟!.
مناسبة هذا السؤال أننى قابلت قبل أيام قليلة، وزيرًا من الذين دخلوا الحكومة فى تشكيلها الجديد قبل حوالى شهر، وقال: «ليس عندى حساب على الفيسبوك وغير مهتم به أصلا».
حالة هذا الوزير ليست استثنائية، فهناك كثيرون ليس لديهم حسابات، أو كان لديهم، ثم زهقوا وطهقوا وخرجوا منه!!.
أعذر الكثير من الذين تركوا الفيسبوك وتويتر، أو قاطعوه من البداية، لأن ضرره صار أكثر من نفعه فى بعض الأحيان، بل ويمثل صداعا دائما، ولم يعد وسيلة للتواصل الاجتماعى بقدر ما بات وسيلة للتنافر والتباعد.
لا أحب التعميم والتنميط، وتقديرى أن وسائل التواصل الاجتماعى مثلها مثل أى وسيلة إعلام أو تواصل، قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة. ويتوقف ذلك على طبيعة الاستخدام والمستخدمين، وبالتالى فالعيب ليس فى هذه الأداة، ولكن فيمن يستخدمها بطريقة خاطئة. هى أفادت كثيرا فى تواصل الناس اجتماعيا، وقربت بينهم المسافات ووفرت لهم الأموال، وأتاحت لهم تواصلا فعالا بالصوت والصورة وبكل المؤثرات فى التو واللحظة، لكنها لعبت أيضا دورا سلبيا فى تقليل التواصل الحقيقى والمباشر، وأمراض اجتماعية أخرى كثيرة.
بالطبع من حق أى شخص أن يتخذ قراره الذاتى بالاستمرار أو الانسحاب أو مقاطعة وسائل التواصل، لكن هل من حق الوزير والمسئول أن يفعل ذلك؟!.
ظنى أن الإجابة هى لا. لأنه فى اللحظة التى يصبح فيها المواطن العادى مسئولا، وطبيعة عمله تتطلب التواصل والتفاعل ومعرفة ردود فعل الجماهير، فهو لم يعد ملكا لنفسه، ولم يعد مخيرا فى أن ينعزل عن الناس.
من حقه أن يحب ويكره السوشيال ميديا. لكن لم يعد من حقه أن يقاطعها، إذا كان يريد فعلا أن يعرف ما يدور فى محيطه.
سيسأل سائل ويقول: وهل يترك الوزير عمله، ويتفرغ لـ«الكلام الفاضى ووجع الدماغ»؟!.
الإجابة هى قطعا لا. ليس مطلوبا من الوزير والمسئول أن يتفرغ للنظر و«البحلقة» طوال الوقت فى الفيسبوك وتويتر وسائر وسائل التواصل الاجتماعى الأخرى.
يمكنه ببساطة أن يكلف مستشاره الصحفى أو فريق مكتبه الإعلامى بمتابعة هذه الوسائل، ونقل ما يدور فيها ويخص نشاط وزارته أولا بأول.
طبعا سيقول كثيرون إن معظم ما ينشر ويقال فى السوشيال ميديا هو مجموعة منتقاة من الأكاذيب والحملات الممنهجة التى تديرها كتائب إلكترونية لأشخاص أو أحزاب أو قوى أو جماعات أو أجهزة مخابرات أو حتى دول، الأمر الذى حول الانترنت عموما إلى «مملكة الكذب الكبرى».. هذا الكلام صحيح إلى حد بعيد، ولكنه ليس مبررا لمقاطعة هذه الوسائل لسبب بسيط، وهو أن عدم الرد عليها سيحولها لدى الكثير من المواطنين البسطاء إلى حقائق يصدقونها.
دور الوزير أو من ينوب عنه أن يتصدى لكشف الأكاذيب، وأن ينشر الحقائق.
لنفترض مثلا أن جهة معادية نشرت كذبا أن الحكومة قررت زيادة أسعار الأدوية أو رسوم دخول المستشفيات، وانتشر هذا الخبر على وسائل التواصل الاجتماعى، دون ردٍّ من وزيرة الصحة أو مكتبها الإعلامى أو من مركز معلومات مجلس الوزراء؟!.
الذى سيخسر هو الحكومة، وسيصدِّق الناس الكذبة.
ليس مطلوبا من الوزراء والمسئولين «التمسمر» أمام شاشات الموبايلات لملاحقة السوشيال ميديا، لكن عليهم أن يطَّلعوا على ملخصات بشأن ما يقوله المواطنون عنهم، وعن أداء وزاراتهم.
شئنا أم أبينا، أحببنا أو كرهنا، صارت السوشيال ميديا وحشًا يزداد ضراوة يومًا بعد يوم.
مقاطعة هذا الكيان العملاق قد يصلح حينما يتعلق الأمر بمواطن عادى قرر أن «يشترى دماغه»، لكنه لا ينفع بالمرة حينما يتعلق الأمر بوزير أو مسئول، أو شخصية عامة.
وبالتالى لا تعطوا هذا الوحش الكاسر المادة المجانية للسخرية والتندر.. راجعوا كلماتكم وأفكاركم وعباراتكم قبل نطقها، ولا تنسوا أن تروضوا الوحش، حتى لا يلتهمكم!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع