بقلم: عماد الدين حسين
بما أن كل التقديرات تشير إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيفلت من العزل فى مجلس الشيوخ، بعد أن تم إدانته فى مجلس النواب ليل الأربعاء قبل الماضى، فإن السؤال الذى بدأ الديمقراطيون يرددونه هو: كيف يمكن تأجيل احتفال ترامب بذهو الانتصار، والإفلات من الإدانة لأطول وقت ممكن؟!.
أفضل إجابة قدمها لورانس ترايينى، وهو أستاذ القانون الدستورى بجامعة هارفارد؛ حيث كتب مقالا مهما فى صحيفة الواشنطن بوست، اقترح فيه على الديمقراطيين، تأخير إرسال لائحة إجراءات واتهامات محاكمة ترامب لأطول فترة ممكنة خصوصا أنه لا يوجد أى شرط دستورى، لإرسال اللائحة فى وقت معين.
هذه الفكرة تلقفها الديمقراطيون، ورأينا رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى تعلن عقب قرار عزل ترامب، أنها لن ترسل لائحة الاتهامات وأسماء مديرى المحاكمة أو تحدد موعد إرسالها، إلا بعد أن تتأكد من وجود ضمانات لمحاكمة عادلة داخل مجلس الشيوخ بتفاصيل واضحة.
مديرو المحاكمة يفترض أنهم نواب فى مجلس النواب، يقومون بدور المدعين ضد ترامب فى مجلس الشيوخ، وإرسال لائحة الاتهام، وتسمية مديرى المحاكمة شرط جوهرى كى تبدأ المحاكمة فى مجلس الشيوخ.
فى المقابل فإن ميتش ماكونيل، رئيس الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ، قال أكثر من مرة، إن التصويت فى مجلسه سيكون بنعم أولا وفورا، بمعنى أنه سيتم تبرئة ترامب بأقصى سرعة ممكنة، وقد يوافق على استدعاء شهود، لكن خلال المحاكمة وليس قبلها، على غرار ما حدث فى محاكمة الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1998، فى قضية المتدربة مونيكا ليونيسكى.
ترامب من جهته كان يريد تحويل محاكمته، إلى محاكمة للديمقراطيين، الذين قال إن ما فعلوه ضده يرقى إلى «محاولة انقلاب وعملية احتيال»، وأنه تم معاملته بصورة اسوأ مما حدث «لساحرات سالم» فى إشارة إلى المحاكمات التى جرت لمجموعة من السيدات فى قرية سالم بولاية ماساتشوشس بين فبراير 1692 ومايو 1693، وتم إعدام عشرين سيدة بتهمة ممارسة السحر الأسود وقتها!.
ماكونيل قال لترامب: «علينا أن نبرئك أولا، وبعدها تصارع مع الديمقراطيين كما تشاء»، ويبدو أن الديمقراطيين أدركوا الهدف، وبالتالى بدأوا يلاعبون ترامب، وتحدثوا عن ضرورة وجود ضمانات لمحاكمة عادلة وأكثر تفصيلا، أهمها أن يتم استدعاء شهود، ومعرفة خطط مجلس الشيوخ لإجراء المحاكمة، كما قالت بيلوسى، وكذلك تينى هوبر زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب، والهدف مناورة أخيرة لتأخير إرسال لائحة الاتهام لمجلس الشيوخ، ورغم ذلك فإن بعض الديمقراطيين، رأوا فى ذلك «تلاعبا سياسيا»، قد يأتى بنتائج عكسية، ويدخل البلاد فى أزمة مؤسسية، كما قال النائب ديك دوربين.
سياسيا فإن ما يفعله الديمقراطيون، أمر طبيعى ومنطقى، لأنهم جربوا كل الأسلحة مع ترامب وأفلت منها جميعا، من أول التهم الأخلاقية، وذلات اللسان، نهاية بالتدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبهذا المنطق فإن هناك احتمالا ليس بعيدا، يتمثل فى أن الديمقراطيين لن يرسلوا لائحة الاتهامات، أو مديرى المحاكمة لمجلس الشيوخ، والنتيجة هى أنهم سوف يحرمون ترامب من الحصول على البراءة الرسمية.. وتهكم ماكونيل على تأخير أو عدم إرسال لائحة الاتهامات بالقول للديمقراطيين: «احتفظوا بها عندكم»!!.
هذا السيناريو الصعب جدا، ولكنه ليس مستحيلا سيجعل ترامب موجودا داخل البيت الأبيض، وسيواصل الديمقراطيون إرسال مشروعات القوانين إليه، باعتباره لا يزال الرئيس الشرعى حتى هذه اللحظة، على أن يستمروا فى الضغط عليه بكل السبل، لعل وعسى، يطيحون به فى انتخابات الرئاسة المقبلة.
المفارقة أن ترامب وخلال السنوات الثلاثة الماضية، تمكن من تعزيز قاعدته الانتخابية، وحسب وصف أحد المعلقين فإنه صار أشبه بـ«البيتلز» أى أن أنصاره يرونه أكثر قداسة لديهم من المسيح نفسه حاشا لله!، رأى مشابه يقول إن «ما لا يقتل ترامب يقويه»، وإفلاته من العزل سيزيد من التفاف أنصاره حوله، خصوصا أنه ماهر جدا فى إقناعهم بأنه يتعرض لمؤامرة مستمرة من الديمقراطيين، الذين يرونه «الشيطان الرجيم».
قد يفلت ترامب من العزل، فى مجلس الشيوخ، وربما يفوز فى الانتخابات، لكن المؤكد أن العالم مع ترامب صار أكثر خطرا، وأكثر تطرفا وغوغائية.
والمؤكد أن العرب والمسلمين، هم الذين دفعوا الثمن الأكبر من فاتورة ترامب، هو الذى نقل سفارة بلاده للقدس العربية المحتلة، واعتبر المستوطنات فى الضفة الغربية شرعية، ويؤيد إسرائيل على طول الخط، وسياساته تتربص بالمسلمين، بل وأحيانا بالإسلام، ويبتز العديد من الحكام والحكومات العربية، بل ويسخر منهم علنا، والمأساة أنه كلما فعل ذلك، زاد تعلق بعض حكام المنطقة به!.