بقلم : عماد الدين حسين
فى الثامنة والنصف من مساء يوم الخميس الماضى، كنت أمر فى أحد شوارع وسط البلد، وفوجئت بمجموعة يقترب عددها من أكثر من عشرين شخصا، يصلون صلاة العشاء والتراويح فى أحد الشوارع المتفرعة من هذا الشارع، الذى توجد به عدة وزارات خدمية.
كنت متوضأ وفكرت للحظة أن أنضم إلى صلاة الجماعة، لكن لم أفعل لأن ذلك مخالف للإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، ومخالف للمنطق والعقل بل والدين فى هذه اللحظات.
المساجد تأسست وبنيت للصلاة فى الأوقات العادية، لكن غالبية دول العالم الإسلامى سنة وشيعة، وما بينها، أغلقوا المساجد وأوقفوا الصلوات الجماعية، خوفا من انتشار فيروس كورونا.
رأينا السعودية تغلق الحرم المكى، وسائر المساجد، ورأينا إيران والعراق تغلق غالبية الحسينيات. وفى معظم دول العالم تم إغلاق الكنائس والمعابد. إذن إغلاق دور العبادة ليس هدفه تعطيل العبادات، بل حفظ حياة الناس، تطبيقا لقوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».
للأسف الشديد هذه القاعدة يخالفها بعض المسلمين والمسيحيين فى مصر، ويصرون على الصلوات الجماعية وكأنهم فى صراع مع الحكومة والمجتمع.
قبل أيام تحدت حشود واسعة من شيعة لاهور وكراتشى بباكستان القوانين واحتفلوا بذكرى استشهاد الامام على ابن أبى طالب. وهو ما يذكرنا مع الفارق بما فعله بعض أهالى الإسكندرية قبل أسابيع حينما تظاهروا ضد كورونا!!
سمعنا وقرأنا عن قيام أجهزة الأمن بإلقاء القبض على بعض من يصرون على مخالفة الإجراءات، ويقيمون الصلاة جماعة فوق السطوح أو داخل الشقق والبيوت، ولم أكن أفهم منطق هؤلاء، حتى قابلت مجموعة أعرف بعضهم، أصروا على إقامة الصلاة جماعة فى مكان عملهم بإحدى الشركات بالجيزة.
منطقهم أنه طالما أن الناس يتزاحمون فى وسائل المواصلات والأسواق، فما المانع أن يتزاحموا فى الصلاة، ويرفعون شعار: «يعنى هى جت على الصلاة عشان تمنعوها؟»!!!.
قلت لهم: البعض مضطر لركوب المواصلات حتى يذهب لعمله، أو يعود لمنزله، والبعض مضطر للذهاب إلى الأسواق سعيا وراء رزقه. لكن الله أعطانا عقلا ورخصة ألا نتزاحم فى المساجد أو أى مكان حفظا لحياتنا، ولن يقل أجر صلاتنا فى بيوتنا عن المساجد طالما نحن مضطرون، وحياة شخص واحد أهم عند الله من الكعبة المشرفة.
من سوء الحظ أن من ناقشتهم لا يدركون ذلك لدرجة أصابتنى باليأس، والمزعج أكثر أن هؤلاء ليسوا مسيسين أو مرتبطين بتنظيمات دينية، لكنهم مسلمون عاديون وبسطاء.
المتشدد والمتطرف أمره معروف، وهو يعارض الحكومة والدولة فى أى شىء لدرجة أننى أعتقد أن الحكومة لو اتخذت قرارا بفتح المساجد غدا، فسوف يعارضوه!!!.
أحد هؤلاء لا يعجبه قرار إحالة ١٢ شخصا إلى محكمة جنح أمن الدولة لإقامتهم صلاة التراويح أعلى سطح أحد المنازل بالقطامية، وفى نهاية كلامه يقول ساخرا: «حبس بسبب صلاة جماعة»!!.
كنت أظن هذا الشخص مستنيرا إلى حد ما، لكن خاب ظنى، واكتشفت أن هواه التنظيمى ومعارضته للحكومة تطغى على أى شىء، ولا تجعله ينظر إلى أن القرار للصالح العام، علما أنه فى حالة ارتفاع أعداد الإصابات، سيهاجم الحكومة أيضا ووقتها لن يسامحها لأنها فتحت المساجد مثلا.
بالمناسبة نفس الموقف الجامد، موجود لدى بعض الإخوة المسيحيين، وسمعت أن بعضهم تحايل بشتى الطرق، لكى يدخل ويزور بعض الكنائس من أجل الصلاة أو من أجل الحصول على «البركة»!!.
لا ألوم من يذهب إلى الأسواق سعيا وراء رزقه إذا كان مضطرا لذلك.
وأعرف النوايا الطيبة للذين يريدون الصلاة فى المساجد والكنائس، هذه الأيام. والمشكلة أنهم لا يدركون أنهم يضرون أنفسهم وغيرهم.
ولكن ألوم البيئة والثقافة المترسخة منذ عقود، التى أنتجت لنا عقليات تنظر إلى الطقس وهو مكان إقامة الصلاة وليس إلى الجوهر وهو الحفاظ على النفس أولا، والعبادة داخل المنزل.
نحن نحتاج أن نبذل جهدا كبيرا من أجل توعية المواطنين جميعا الذين لا يدركون خطورة الفيروس سواء كانوا لا يتباعدون اجتماعيا فى الأسواق أو أماكن العمل أو المواصلات، ومعهم الذين يصرون على الصلاة الجماعية لإقناعهم أنها تضرهم وتضر كل المجتمع.
نحتاج أن نشرح لهم مقاصد الشريعة ومقاصد الأديان عموما، وأنها نزلت من أجل صالح الناس وحفظ حياتهم، مثل هذه العقليات السطحية هى البيئة الخصبة التى يستغلها المتطرفون لاحقا لحشو عقولهم بأى شىء.