بقلم : عماد الدين حسين
قراءة الواقع جيدا.. أهم خطوة للتغيير نحو الأفضل. وإذا طبقنا هذه القاعدة، فإنه يجدر بنا الإقرار بأن إسرائيل تعيش أفضل أوقاتها، منذ زرعها عنوة فى منطقتنا منذ سبعين عاما فى ١٥ مايو ١٩٤٨.
يوم الاثنين الماضى نقلت امريكا سفارتها من تل أبيب للقدس العربية المحتلة، تطبيقا لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ديسمبر الماضى. كنا نعتقد أن كل الرؤساء الأمريكيين منحازين لإسرائيل، لكن لم نكن ندرى أن بعضهم كان «ملاكا» إلى حد كبير، مقارنة مع رئيس مثل ترامب. لمن نسى فإن الرئىس السابق باراك أوباما وقبل مغادرته منصبه بأيام رفض فى 23 ديسمبر 2016 استخدام حق الفيتو ــ فى حركة غير مسبوقة ــ الأمر الذى سمح بصدور قرار من مجلس الامن يعتبر كل المستوطنات فى الضفة الغربية غير شرعية.
الان ترامب وبيته الأبيض يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية كاملة، ورفض حتى مناشدة إسرائيل وقف القتل العشوائى، واعتبر أن إسرائيل تدافع عن نفسها!
تعيش إسرائيل أفضل أوقاتها لأن رئيس أقوى دولة فى العالم يتبنى هو وتياره السياسى كل الأساطير التوراتية. الصهاينة يعتبرون ترامب مثل الملك الفارسى قورش الذى خلصهم عام 538 قبل الميلاد من السبى البابلى على يد نبوخذ نصر.
فى الأسبوع الماضى أيضا ذهب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لموسكو وسار متباهيا ومنفوشا مثل الطاووس بجانب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى ذكرى الاحتفال رقم 73 بانتصار روسيا على النازيين. يقول الإسرائيليون إنه كان ضيف الشرف. وهو أمر غريب للغاية، لأن طائراته وصواريخه تعربد فى الأجواء السورية تحت سمع القوات الروسية.
حتى الآن فإن روسيا هى التى التزمت بالخطوط الحمراء الإسرائيلية وليس العكس. وقررت تجميد تزويدها لسوريا بصواريخ إس ٣٠٠ حتى لا تتعرض للطائرات الإسرائيلية المعتدية.
بريطانيا احتفلت فى ٢ نوفمبر الماضى بالذكرى المئوية لصدور وعد بلفور المشئوم، الذى أعطى من لا يملك لمن لا يستحق. صحيح أن بريطانيا انتقدت قرار ترامب بنقل السفارة للقدس، لكنها فى المجمل أحد الأسباب الأساسية لزرع هذا الكيان فى منطقتنا، كما أنها أحد الداعمين الأساسيين له، بصورة منهجية.
وللموضوعية فهناك حركة نشطة فى عموم أوروبا لمقاطعة إسرائيل أكاديميا، وكذلك منتجات مستوطناتها، لكن تظل غالبية ــ الحكومات الأوروبية ــ رغم بياناتها اللفظية ــ ملتحقة بالموقف الأوروبى، أو خائفة منه باستثناءات قليلة مثل السويد واليونان وبلجيكا وأحيانا فرنسا.
صار نتنياهو وكبار المسئولين الإسرائيليين يكسبون أرضا جديدة كل يوم، ورأينا جولة إفريقية شهيرة له، تم ترجمتها فى أن العديد من الدول الإفريقية، صوتت لصالح نقل السفارة الأمريكية للقدس وأخرى امتنعت عن التصويت، رغم أن كل القارة كانت تصوت تلقائيا لصالح القضية الفلسطينية.
تكسب إسرائيل أيضا المزيد من النفوذ فى أوروبا الشرقية. ورأينا العديد من الدول تعلن عن نيتها نقل سفاراتها من تل أبيب للقدس مثل رومانيا والمجر وتشيكيا. نفس الأمر ينطبق على العديد من بلدان أمريكا اللاتينية.
قبل سنوات قليلة لم يكن يصوت لصالح إسرائيل فى الأمم المتحدة بخلاف الولايات المتحدة، إلا دويلات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة على الخريطة مثل ميكرونيزيا وجزر الماريشال. فى حين أن من صوت مع القرار الأمريكى بنقل السفارة قبل شهور كان 9 دول وامتنعت 35 دولة عن التصويت.
المفارقة انه بينما حضر مراسم الاحتفال بنقل السفارة رسميا كان 32 دولة من بينها اربع دول من الاتحاد الاوروبى، فى حين حضر ممثلو 12 دولة افريقية هى أنجولا، والكاميرون، والكونغو الديمقراطية، والكونغو، وكوت ديفوار، وكينيا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وإثيوبيا، ونيجيريا، وزامبيا، ورواندا.
والغريب أنه بعد كل ذلك فان بعض وسائل الإعلام العربية تعاملت مع الأمر باعتباره مقاطعة دولية لإسرائيل، رغم أن عدد المطبعين يتزايد يوما بعد يوم.
قوة إسرائيل المتعاظمة سببها الجوهرى الانقسام العربى غير المسبوق. وتلهف دول عربية «للعشق الحرام» مع إسرائيل.
ورغم كل ما سبق فمن يطالع بعض ما نشرته الصحافة الإسرائيلية، يكتشف حجم الهلع والرعب الذى يشعر به إسرائيليون كثيرون من المظاهرات الفلسطينية على الحدود فى إطار «مسيرات العودة» أو حتى من الطائرات الورقية.
هى مفارقة مدهشة، إنه فى عز قوة إسرائيل تشعر بالرعب من شعب أعزل لا يملك إلا روحه ودمه يقدمها عن طيب خاطر من أجل وطنه.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع