«أن تكونى امرأة، يعنى أنك ستتعرضين حتما لتحرش جنسى أحد الأيام، لا يمكنك توقع مكان حدوثه، قد يكون فى الشارع، فى إحدى وسائل المواصلات فى مكان العمل أو الدراسة أو حتى فى إدارة عمومية، تقضين فيها بعض شئونك، كما ليس ضروريا أن تتعرضى للتحرش عن طريق اللمس، فالراجح أنك ستسمعين كلمات ذات إيحاءات جنسية، أو مجرد صفير يفهم بشكل اتوماتيكى أنه تحرش جنسى، وفى أقصى الحالات، قد يلاحقك أحدهم ببضعة أمتار، ويمطرك بسيل من كلمات الغزل مثل: «يا حلوة، على أمل أن تتوقفى للحديث معه».
العبارات السابقة موجودة فى مقدمة تقرير كبير على موقع «رصيف ٢٢»، وحينما قرأتها للوهلة الأولى، ظننت أن التقرير يتحدث عن مصر. ثم كانت المفاجأة أن التقرير بأكمله يتحدث عن ظاهرة التحرش فى المغرب الشقيق.
حتى شهور مضت كنت أعتقد واهما أننا الدولة الأولى الأكثر تحرشا فى العالم، وذلك من خلال التقارير والبيانات والكتابات والأهم من خلال الملاحظات الشخصية، وما تتعرض له السيدات فى كل مكان بمجرد أن يتحركن من بيوتهن. وتبين لاحقا أن بعض السيدات يتعرضن أحيانا للتحرش من أقارب داخل بيوتهن.
لكن المفاجأة أن انفجار ثورة «Me Too» أو «أنا أيضا»، قد كشفت أن وباء أو فيروس التحرش موجود للأسف فى مناطق كثيرة بالعالم، لكن بدرجات متفاوتة.
ثورة «أنا أيضا» اندلعت بعد تفجر فضيحة «متحرش هوليوود» المنتج السينمائى الكبير هارفى وينستين الذى تم وصفه «بوحش هوليوود»، وتم فضحه وتجريسه وطرده من مجال الانتاج السينمائى، بعد أن ثبت تحرشه بمئات وربما الآلاف فى هوليوود من عاملات البوفيه إلى نجمات السينما!!!.
انكشاف أمر وينستين جعل الكثير من السيدات المشهورات وغيرهن يخرجن ليحكين تجاربهن. وما تعرضن له ولم يكن قادرات على البوح به، خوفا من مضايقات أكثر، أو عدم ثقة فى الحصول على حقهن.
أحدث المنضمين إلى المعترفين هو مصمم الرقصات الاسترالى الشهير ويد روبسون، الذى كشف قبل أيام قليلة عن نجم البوب الشهير مايكل جاكسون كان يتحرش به ويغتصبه لسنوات طويلة من سن السابعة إلى سن السابعة عشر، حينما كان يقيم معه فى مزرعته الخاصة، وأنه كان يهدده دائما لو قام بكشف المستور. المعروف أن روبسون نفى تحت القسم الاعتراف على جاكسون خلال محاكمته الشهيرة بالاعتداء على قاصر.
ثم اكتشفنا قبل ثلاثة أيام أيضا أن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد كيس قد تحرش بـ ١٢ سيدة منهن بعض سيدات المجتمع فى أمريكا مثل جوليا سالازار، المرشحة لمقعد فى مجلس شيوخ السلطة التشريعية لولاية نيويورك، والصحفية فى «وول ستريت جورنال» الأمريكية شايندى رايس.
نسمع كل يوم حكايات تحرش كثيرة فى مصر وخارجها، ومن الواضح أن الفيروس قد انتشر بصورة وبائية، ولا نعرف هل هذا الانتشار جديد، أم أنه كان موجودا فى المجتمع طوال الوقت، لكن وسائل التواصل الاجتماعى هى التى جعلتنا نعتقد أنه جديد وبهذه الضخامة؟!.
هذا الجدل ليس مهما كثيرا، فالأهم هو كيفية القضاء، على هذا المرض المنتشر، كالنار فى الهشيم. كان الأزهر الشريف موفقا جدا، حينما أدان قبل أيام التحرش قطعيا، مطالبا بعدم التماس أى أعذار للمتحرشين. خصوصا أن لدينا فى مصر والمنطقة العربية منطقا أعوج يدين الفتاة الضحية بسبب ملابسها مثلا أو حتى لمجرد خروجها من بيتها، ولا يدين الفاعل الأصلى وهو المجرم المتحرش.
تابعنا قضية فتاة التجمع، التى أصرت على فضح المتحرش وأظن أن ذلك ساهم فى تسليط الضوء على الظاهرة أكثر، خصوصا أنه سينبه المتحرشين إلى أن هناك احتمالات كبيرة لفضحهم، صوتا وصورة.
السؤال إذا كنا ندين ظاهرة التحرش بكل قوة ممكنة أليس هناك واجب أيضا أن نحمى بعض الرجال الأبرياء من ابتزازهم بفكرة التحرش، وهل هناك خيط رفيع بين التحرش الرجالى وبين الابتزاز النسائى؟!!.
سؤال سنحاول الإجابة عنه لاحقا.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع