مساء الخميس قبل الماضى، قابلت فى منزل الناشر الكبير إبراهيم المعلم، الشهبانو فرح ديبا، إمبراطورة إيران السابقة، والزوجة الثالثة لشاه إيران الأسبق محمد رضا بهلوى، التى أنجبت له ولى العهد رضا بهلوى الثانى.
هى تعيش فى المنفى الفرنسى منذ إطاحة الثورة الإسلامية بنظام حكم زوجها فى أول فبراير عام ١٩٧٩، لكنها تزور قبر زوجها بصورة دائمة سنويا، حيث دفن فى مسجد الرفاعى بالقاهرة الفاطمية منذ وفاته فى ٢٧ يوليو ١٩٨٠، بعد ان تخلى عنه الجميع خصوصا الامريكان، ولم يقف بجوار العائلة الا الرئيس الاسبق محمد انور السادات.
علاقة فرح ديبا بالمهندس إبراهيم، هى علاقة المؤلف بالناشر. دار الشروق نشرت مذكراتها فى نسختها العربية عام ٢٠١٠ «حب باق.. حياتى مع الشاه». التى تروى فيها قصة حياتها.
أتذكر أننى حضرت توقيع مذكراتها فى قصر محمد على بالمنيل عام ٢٠١٠، يومها كان حفلا مهيبا أقامته دار الشروق، وحضره قامات فكرية وسياسية وأدبية وفنية كبيرة، منهم على سبيل المثال جيهان السادات وعمر الشريف وبطرس بطرس غالى وأحمد ماهر وعلى ماهر.
يومها كنت مشدوها لأننى أقابل سيدة لعبت دورا مهما بجوار زوجها فى صناعة تاريخ المنطقة وتقلباته الدرامية، وما زلت اتذكر مقولة ابراهيم المعلم: «إنه كلما كانت السير الذاتية انسانية وصادقة وتعكس تجارب حقيقية كلما قدمت للتاريخ وللاجيال الجديدة دروسا مهمة فى تلافى الاخطاء».
مساء الخميس قبل الماضى أتيح لى أن أجلس معها فى منزل المعلم وسط كوكبة من الضيوف المتميزين كان من بينهم وزراء وشخصيات عامة كثيرة.
السيدة عمرها الآن نحو ٨٠ عاما، فهى من مواليد ١٤ أكتوبر ١٩٣٨ فى مدينة تبريز، لعائلة أذرية، وتزوجت الشاه فى ٢١ ديسمبر ١٩٥٩، الذى تزوج قبلها مرتين إحداهما من الاميرة فوزية شقيقة الملك فاروق عام 1939 وصارت فوزية امبراطورة لايران عام 1941، قبل ان يطلقها عام 1948.
رأيى الثابت أن نظام الشاه لعب دورا مهما فى مساعدة إسرائيل، وكان يمارس دور شرطى المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة. لم يكن نظاما ديمقراطيا بالمرة، ومن جاءوا بعده، من آيات الله، ليسوا ديمقراطيين أيضا، بل يتاجرون بالدين والمذهب والطائفة الشيعية، مثلما تاجر غيرهم بأهل السنة.
فى مذكراتها الصادرة عن دار الشروق تحكى الواقع وتقر بالاخطاء. وخلال اللقاء الأخير، قابلت إحدى الشخصيات المقربة الآن من فرح ديبا. هو قال إنهم اكتشفوا بعد السقوط المدوى للنظام، أنهم كانوا بعيدين فعلا عن الشعب، وأن أجهزة الأمن خصوصا جهاز «السافاك»، أفسد العلاقة بين الشاه والمواطنين، وقدم له تقارير كاذبة، وأن سياسة التعذيب التى كان يتبعها، لعبت الدور المحورى فى كراهية غالبية الناس للنظام، وسهلت للمعارضين الإطاحة بالنظام، أما الخطأ الأكبر فى وجهة نظر هذا الرجل، فهى أن أجهزة الأمن صورت أن المشكلة فقط هى الحزب الشيوعى «توده» وليس المعارضة الدينية، التى كان يقودها آية الله الخومينى من منفاه الفرنسى.
معظم ذلك قرأت عنه كثيرا فى مذكرات واعترافات متعددة لبعض أركان نظام الشاه، لكن هذا الرجل يعتقد، بأن الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل، قررت التخلص من الشاه قبل فترة طويلة من اندلاع المظاهرات الشعبية ضده. السبب فى ذلك، أن الشاه قرر أن يحسن علاقاته مع السعودية ومنطقة الخليج، ومع مصر، وأنه بدأ يتحدث بصوت مرتفع عن الأخطاء الكبيرة التى ترتكبها كل من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا. لكن الأخطر أن الشاه بدأ يتحدث علنا عن «اللوبى الصهيونى» فى الولايات المتحدة وأنه ليس خطرا فقط على أمريكا والعالم، ولكنه خطر على إسرائيل أيضا، وصار يتحكم فى العديد من المفاصل المهمة خصوصا الإعلام والبنوك.
انتهى كلام الرجل المؤيد بقوة لنظام الشاه، ولا أعلم مدى دقته، لكن المؤكد ايضا أن النظام سقط أساسا بسبب سياساته القمعية ضد المواطنين، واعتقاده أنه مخلد، وتجاهله للدور الذى لعبه أنصار الخومينى وبقية فصائل المعارضة.
درس سقوط الشاه ما يزال صالحا للتعلم من عدة وجوه، أهمها أن أساس شرعية أى نظام أن يكون مقبولا شعبيا أولا. وثانيا ألا يأمن إطلاقا لصداقة اللوبى الصهيونى والدول الكبرى، مهما اظهرت له من معسول الكلام، وعلينا تذكر ان الخومينى عاش منفاه فى فرنسا!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع