بقلم - عماد الدين حسين
كتبت قبل ايام انه لابد من تطوير التعليم وتغيير غالبية القيم الاجتماعية السلبية، حتى نقضى على الإهمال الذى قاد إلى الحادث المأساوى فى محطة سكة حديد مصر يوم الأربعاء قبل الماضى.
أحد الزملاء الأعزاء سألنى: وهل معنى ذلك ان ننتظر كل هذه السنوات لأن عملية التغيير تحتاج حقبا زمنية طويلة، ولا تتم بين يوم وليلة؟!
سؤال الزميل وجيه جدا، والاجابة عليه ان هناك وسائل أخرى كثيرة يمكنها تسريع القضاء على القيم السلبية أبرزها محاربة الفساد وتطبيق القانون على الجميع وبصورة رادعة.
لنأخذ مثلا علاء فتحى سائق الجرار الذى تسبب فى كارثة محطة مصر.. هل ننتظر حتى يكمل بقية السائقين والملاحظين والعمال فى السكة الحديد تعليمهم الصحيح، كى تتحدث عن إصلاح منظومة السكة الحديد؟. وهل ننتظر اكتمال مشروع الدكتور طارق شوقى لإصلاح التعليم الذى ابتدأ فقط هذا العام فى مرحلة رياض الأطفال، حتى نتحدث عن إصلاح العديد من المنظومات الخربة فى المجتمع؟!.
الإجابة هى لا بالطبع، لأننا لو اعتمدنا هذه الطريقة، فإننا وعندما نصل إلى نهاية الفترة المقررة لإصلاح التعليم، ستكون الأمور قد ساءت أكثر فى كل مجال، بما يدمر التعليم بأكمله.
المنطق البسيط يقول إن عملية الإصلاح ــ إذا كنا جادين فيها ــ يجب أن تسير بالتوازى وليست بالتتابع!!.
نعم التعليم الجيد، سيصلح الكثير من الأمور الخاطئة، لكن هناك عوامل أخرى يمكنها أن تساعد بجواره أهمها.
نتحدث ليل نهار عن تطبيق القانون بشدة على الجميع، لكن لا نجد تطبيقا فعليا على الأرض.
نموذج علاء فتحى ينتشر فى المجتمع بصورة جنونية، أدعوكم لتأمل النماذج التى نراها فى كل لحظة ومن سوء الحظ أن عددا كبيرا منها موجود فى منظومة النقل والمرور والطرق.
نعرف جميعا أن سائقى الميكروباصات يخرقون كل القواعد والقوانين فى الشوارع من دون رادع. هم يقودون مركباتهم بصورة جنونية. وصار ينافسهم فى الأمر سائقو التاكسى. أتعجب دائما من البلطجة التى يتعامل بها بعض السائقين من دون أى إحساس بالخوف!!. يقفون فى وسط الشارع من اجل أن يركب الزبون أو ينزل. لا يشغلون العدادات. أما التكاتك، فأمرها أصعب كثيرا، وأدت إلى أمراض اجتماعية لا تعد ولا تحصى، وأظن أننا سندفع ثمنها فادحا لاحقا فى صور متعددة أخلاقية ومرورية واقتصادية واجتماعية.
السؤال: هل فسد هؤلاء من تلقاء أنفسهم، أم أنهم لم يجدوا من يردعهم ويوقفهم عند حدهم؟!
الإجابة أنه لا يوجد شخص يفسد من تلقاء نفسه والقاعدة تقول إن: «من أمن العقوبة أساء الأدب»!
تخيلوا لو أن سائق تاكسى أو ميكروباص قد دفع ألف جنيه لأنه سار عكس الاتجاه، أو تم سحب رخصته، لأنه لا يلتزم بالقانون، فهل سيكرر ذلك مرة ثانية؟!
أتصور أنه فى حالة تطبيق القانون على الجميع بالتساوى، فسوف نجد حلا لمعظم المشكلات الموجودة فى الشارع.
هل يجرؤ سائق توك توك على السير فى كل الشوارع، بما فيها الكورنيش، وأحيانا عكس الاتجاه على الطريق الدائرى، إلا إذا آمن تماما بأن لا أحد سوف يوقفه؟!
حينما يدرك كل مواطن، وليس السائقون فقط، أن لا أحد فوق القانون، وان ابن الفقير مثل ابن الوزير. سوف يتعلم الجميع الأدب. لكن المشكلة تكمن فى شيوع وانتشار وتغلغل ثقافة «انت مش عارف أنا مين.. أو ابن مين»؟!. طالما أن هذه الجملة موجودة، ونسمعها كل لحظة فلا أمل فى الإصلاح!!
وحينما تكون هناك محاربة شاملة للفساد، وتشريعات مغلظة تحارب الفساد قبل أن تحارب الفاسدين، فسوف يدرك الناس أن هناك أملا فعلا فى الإصلاح، وسوف يتقبلون أى إجراءات مشددة، طالما أنها تطبق على الجميع.
لكن المشكلة الخطيرة تكمن فى إدراك غالبية الناس، أن القانون يطبق فقط فى معظم الاحيان، على الضعيف والفقير، وليس على الكبار. هذا الشعور هو أخطر ما يواجه عملية إصلاح أى مرفق من مرافق الدولة المتهالكة.
وحتى لا نتحدث فى العموميات أقول بوضوح إنه يمكننا البدء فى الإصلاح الحقيقى من غد أو من الآن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. والبداية هى تطبيق سيادة القانون على الجميع.. على ابن الوزير قبل ابن الغفير!
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع