بقلم: عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى قالت القناة الـ١٢ العبرية نقلا عن مصادر عسكرية إسرائيلية إن كل الأنفاق التى تم اكتشافها فى محور صلاح الدين «فيلادلفيا» كانت غير فعالة وغير صالحة للاستخدام، والسبب أن الجيش المصرى دمرها وأغرقها بالماء من الجانب المصرى فى رفح منذ سنوات طويلة.
هذه شهادة صدق نادرة من المسئولين العسكريين الإسرائيليين، ليس حبا فى مصر أو فى الصدق كقيمة أخلاقية، ولكن لأسباب كثيرة أهمها الصراع الذى صار علنيا بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وشركائه من المتطرفين، وبين قادة الجيش وبقية قادة المؤسسة الأمنية.
كلام المصادر العسكرية الإسرائيلية ينسف بصورة واضحة، لا لبس فيها، كل المزاعم والأكاذيب والفبركات والتسريبات والتخرصات الإسرائيلية طوال أكثر من ثلاثة شهور ونصف الشهر عن أن هناك أنفاقا ما تزال تعمل بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية وأنها تمثل الرئة أو الأكسجين الذى يسمح للمقاومة الفلسطينية باستمرار العمل والتنفس والحياة والمقاومة.
إسرائيل تشن عدوانها على غزة منذ ٧ أكتوبر الماضى، وحتى مايو الماضى، لم يتحدث نتنياهو وقادة جيشه عن أهمية محور فيلادلفيا «صلاح الدين»، لكن حينما بدأ عدوانه يتعثر ولا يحقق أهدافه المعلنة فكر فى الهروب للأمام واختراع كذبة أو أسطوانة أو خرافة جديدة تسوغ له استمرار العدوان، وهكذا جاءت «افتكاسة» محور فيلادلفيا وحتى يضمن أيضا استمرار وجوده فى الحياة السياسية الإسرائيلية خوفا من شبح المحاسبة والمحاكمة وربما السجن. لكن أظن أيضا أن نتنياهو يعتقد هو والمتطرفون أن احتلال كامل غزة وحدودها مع مصر فرصة قد لا تتكرر قريبا لنسف فكرة الدولة الفلسطينية.
بعض الكُتاب الإسرائيليين قالوا لنتنياهو: لم نكن نظن أنكم اكتشفتم أن حائط المبكى موجود فى فيلادلفيا، وليس فى القدس! والعديد من قادة الجيش الإسرائيليين بمن فيهم وزير الدفاع يوآف جالانت قالوا إن المحور لا يحمل كل هذه الأهمية الاستراتيجية التى يتحدث عنها نتنياهو. وحتى لو كانت له أهمية، فإن الوصول لصفقة تبادل أسرى ووقف الحرب أفضل لإسرائيل كثيرا، ولو اكتشفت أن حماس تعيد تسليح وبناء نفسها فيمكن العودة مرة أخرى للمحور.
نتنياهو وإعلامه ومتطرفوه دأبوا منذ احتلال المحور فى نهاية مايو الماضى، على الإعلان بأنه تم اكتشاف العديد من الأنفاق بين رفح الفلسطينية والمصرية، بل إن أبواقا أمريكية حاولت إعادة ترويج أكاذيب نتنياهو. لكن مصر كانت مدركة للعبة نتنياهو من البداية وكان ردها الدائم نعم قد تكون هناك بدايات أنفاق مفتوحة فى رفح الفلسطينية، لكن الأهم من كل ذلك أنها مغلقة ومسدودة من الجانب المصرى، وبالتالى فكل ما تعلنه إسرائيل عن اكتشاف أنفاق فى الجانب الفلسطينى هو محض أكاذيب واختلاقات وفبركات لا يعول عليها.
كان يمكن لأى إسرائيلى يطلق هذه المزاعم أن يدخل أى نفق مفتوح من الجانب الفلسطينى ويستمر فى التقدم حتى يتأكد هل هو مفتوح من الجانب المصرى أم لا.
نسيت إسرائيل ونسى نتنياهو وكل من يؤيده أن مصر دفعت ثمنا فادحا بسبب هذه الأنفاق فى فترة نشاط التنظيمات الإرهابية فى سيناء بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ولذلك فهى التى بادرت بشن العملية العسكرية الشاملة عام ٢٠١٨، لتطهير سيناء من الإرهابيين والتكفيريين، وإحدى الأدوات لذلك كانت إغلاق وتدمير الانفاق وإقامة منطقة عازلة تمتد ٥ كيلومترات بين حدود الجانبين، وبالتالى فقد تم تحييد هذه الأنفاق عن العمل تماما.
المهم أن كل ما أعلنته مصر منذ بداية احتلال رفح قد ثبت صحته، خصوصا من كبار مسئولى الجيش الإسرائيلى - وهم الذين احترفوا الكذب آلاف المرات.
والسؤال: هل هذه التسريبات العسكرية المستمرة توحى بأن استخدام نتنياهو لفزاعة وورقة فيلادلفيا قد انتهى، أم أنه سوف يختلق أسبابا جديدة من أجل استمرار العدوان والهروب إلى الأمام ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المكاسب ربما تعينه على الهروب من مشاكله الداخلية؟