هل ما يحق للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحكومته، محرم على الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وحكومته؟!.
السؤال موجه إلى أنصار ومحبى أردوغان فى مصر والمنطقة العربية، وأحاول طرحه بأكبر قدر من الموضوعية والمنطق بحثا عن توحيد المعايير، بمناسبة الانهيار الكبير الذى لحق بالليرة التركية وأفقدها أكثر من ٢٠٪ من قيمتها فى يوم واحد، و٥٠٪ من قيمتها منذ بداية العام الحالى.
لو عدنا إلى الوراء وبالتحديد إلى الشهور التى سبقت قرار الحكومة المصرية والبنك المركزى، بتحرير سعر صرف الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، فسوف نتذكر أن المضاربة على سعر الدولار وقتها بلغت الذروة، لدرجة أن سعره تجاوز العشرين جنيها.
فى هذا التوقيت انقسم الناس والخبراء والمعلقون حول المتسبب فى ذلك، وما الذى كان ينبغى عمله، ثم انقسموا أكثر بعد قرار التعويم، خصوصا أن العملة المصرية فقدت أكثر من ٦٠٪ من قيمتها.
الحكومة وقتها قالت إنه إجراء حتمى ولا بديل عنه حتى يمكن بدء عملية الإصلاح الاقتصادى على أسس صحيحة، والمعارضون قالوا إنه أسوأ قرار ممكن لأنه دمر مدخرات المصريين، ورفع أسعار معظم السلع خصوصا المستوردة.
قبل هذا القرار، اتهمت الحكومة المصرية بعض أنصار جماعة الإخوان، بأنهم يضاربون على سعر الدولار ويحاولون شراءه بأكبر كمية ممكنة من الداخل والخارج، كى تستمر الأزمة. وألقت الحكومة وقتها القبض على بعض كبار تجار العملة وأصحاب الصرافات ورموز اقتصادية محسوبة على الجماعة. أنصار الإخوان وغالبية المعارضين سخروا من قرار الحكومة، قائلين إنها تحاول إلقاء مسئولية فشلها على كاهل المؤامرة الخارجية والداخلية، بدلا من البحث عن حلول حقيقية للأزمة.
لست الآن بصدد إصدار حكم على برنامج الاصلاح المصرى وخصوصا قرار التعويم، رغم أن لى تحفظات كثيرة منشورة عليها فى هذا المكان، لكن من عجائب الأقدار أن الأزمة التى شهدتها مصر يومها تكاد تتكرر فى تركيا الآن، مع فارق فى التفاصيل بطبيعة الحال!.
خبراء مصرفيون محايدون يرجعون سبب الأزمة إلى سياسات أردوغان، ومخاوف المستثمرين من تدخله فى الشأن الاقتصادى، وكذلك الأزمة بين أنقرة وواشنطن بشأن اعتقال تركيا للقس الأمريكى اندرو براتسون، بتهمة المشاركة فى محاولة الانقلاب الفاشلة فى منتصف يوليو ٢٠١٥، إضافة للأزمات المتعددة التى تحيط بتركيا خصوصا فى سوريا والعراق، وتوتر علاقاتها مع معظم دول الجوار وكذلك مع دول أوروبية عديدة.
والسؤال المنطقى الذى لابد من طرحه هو: كيف كان رد فعل أنصار جماعة الإخوان وأردوغان على أزمة الليرة التركية؟!.
للأسف لم يجرؤ أى إخوانى أو مصرى من المقيمين فى تركيا على أن يوحد المعيار الذى أدان به الحكومة المصرية طوال السنوات الماضية، ويطبق نفس المعيار على تركيا!!.
وعلى العكس تماما وجدنا بعضهم يطلق تصريحات بضرورة دعم الليرة التركية، وتحويل ما معه من دولارات إلى الليرة، لأن دعمها يعتبر ذروة الإسلام وسنامه، وركن من أركان الدين!!!.
أحدهم كتب يقول: «أدعم الليرة، ولا تستصغر عملا، قد يكون السبب فى نجاتك من النار ودخولك الجنة». وإعلامى آخر قال فى مقطع فيديو: «إذا سقطت تركيا فسوف تغتصب زوجتك أمام عينيك، حتى وان كنت تعيش فى أى بلد بعيدا عن تركيا»، وقال ثالث: «دعم الليرة ليس معركة تركيا، بل هى معركة الأمة الإسلامية بأكملها»!.
هذا ما قاله بعض أنصار جماعة الإخوان فى معظم العالم العربى. ولم يجرؤ أحدهم على أن يكون أمينا مع نفسه وجمهوره، ويوحد المعايير فى الحكم على الحكومتين التركية والمصرية فى قضية واحدة.
هؤلاء ارتكبوا الجريمة نفسها حينما جبنوا، وما يزالون، عن انتقاد أردوغان على ما فعله مع جميع معارضيه واعتقاله وفصله وتشريده لآلاف منهم بحجة مطاطة اسمها الانتماء لجماعة عبدالله جولن. لم يتحدث أحدهم منذ ثلاث سنوات عن ملف حقوق الإنسان والحريات ومصادرة أموال المعارضين.
رأيى الواضح أن ما يحدث فى تركيا الآن نتيجة سياسات معينة، وصراعات مختلفة فى الداخل والخارج، مثلما هو الحال فى مصر وغيرها من البلدان، قد يكون هناك دور خارجى، لكنه ليس هو الاساس، ولا توجد مؤامرة كونية بالطريقة التى يتصورها أنصار أردوغان الآن أو أنكروها حينما تحدث عنها قبل ذلك أنصار الحكومة المصرية!!.
مرة أخرى وليست أخيرة، لا أحكم الآن على ما يحدث فى تركيا، أو ما حدث فى مصر قبل سنوات.. لكن أكرر السؤال: كيف يصل التناقض إلى هذا الحد؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع