بقلم: عماد الدين حسين
هل هناك أى عاقل راهن على نجاح الدعوة لقيام ثورة شعبية لمجرد أن المقاول الهارب محمد على وجماعة الإخوان ومن يحركونهم دعوا إليها فى ٢٠ سبتمبر الجارى؟!
أى متابع للمشهد السياسى، الراهن، وبغض النظر عن موقفه المؤيد أو المعارض للحكومة أو النظام، كان يدرك تماما أن حظوظ نجاح هذه الدعوات مستبعدة تماما.
هى مستبعدة لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود أدنى ثقة فى الداعين إليها، ثم زيادة وعى الناس، وغياب الظروف الموضوعية لحدوث ذلك.
يوم الأحد الماضى، لم يلتفت المصريون لدعوات الإخوان والمقاول محمد على للنزول والتظاهر، لكن كانت هناك ظاهرة مهمة تحتاج نقاشا مستقلا ولاحقا، عن بعض التوترات القليلة جدا، لكنها عنيفة فى أطراف الجيزة، ولا يمكن نسبتها للإخوان بالمرة، لأن معظم من قاموا بها هواة وصغار السن جدا وغير ملثمين.
المصريون نزلوا بالملايين فى ٢٥ يناير ٢٠١١، آملين فى حياة مختلفة شعارها «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، لكن من سوء حظهم أن هذه الثورة النبيلة سرقها الإخوان، لتنفيذ مشروعهم الظلامى، وفى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ نزل المصريون بالملايين وأجهضوا هذا المشروع، وأسقطوا مشروع الإخوان.
كثير من المواطنين العاديين صار لديهم وعى كبير بأنهم سوف يخسرون كثيرا إذا نزلوا إلى الشوارع، لأنهم اختبروا فكرة الفوضى وغياب الاستقرار والحكومة القوية، وبالتالى صاروا يفكرون كثيرا قبل الاستجابة لأى دعوات للتظاهر، حتى لو كانت أسبابها منطقية.
هل معنى ذلك أن الحياة صارت وردية وكله تمام؟.. الإجابة هى لا.. هناك مشاكل حياتية كثيرة وملايين المصريين تأثروا بتداعيات الإصلاح الاقتصادى ثم فيروس كورونا، لكن فى المقابل هم يرون إنجازات على الأرض بصورة لا يمكن لمنصف أن ينكرها، خصوصا فى ملف البنية التحتية والصحة، واستقرار الأسعار نسبيا. وحينما يقارن كثيرون بين الوضع فى مصر، ومثيله فى المنطقة، يفكرون مرارا وتكرارا قبل الاستجابة لمثل هذه الدعوات.
ثم إن النقطة الجوهرية أن عددا كبيرا من المصريين، حتى لو كان مختلفا مع الحكومة فى بعض السياسات، لم يعد يثق إطلاقا فى الجهات الداعية لهذه التظاهرات، خصوصا جماعة الإخوان، التى قررت أن ترتمى فى أحضان دول وأجهزة خارجية، وارتضت لنفسها أن تكون أداة لتنفيذ مصالح هذه الجهات.
ثم إن الواقع الأمنى يجعل كل مواطن يفكر كثيرا قبل الإقدام على أى تعاطف مع الدعوات الخارجية للتظاهر، لأنه سيضع نفسه فى خانة واحدة مع هذه الجهات.
والنتيجة أننا لم نشهد منذ سنوات أى ترجمة حقيقية لكل الدعوات الإخوانية، وصار أقصى ما تحلم به الجماعة هى اللقطة التلفزيونية السريعة، لتقنع بها من يشغلونها ويمولونها أنها موجودة!
العامل الثالث والمهم الذى منع الناس من النزول كما حلمت الجماعة يوم ٢٠ سبتمبر، ومنعهم قبل ذلك مرارا وتكرارا هو غياب الظروف الموضوعية، وهو عامل مهم يتجاهله كثيرون، رغم أنه سبب جوهرى لأى عملية تغيير فى أى زمان ومكان.
قد تكون هناك أسباب واضحة لحدوث تغيير فى أى دولة، لكن غياب الشروط والظروف الموضوعية يمنع حدوث هذا التغيير. على سبيل المثال كانت هناك احتجاجات كثيرة ضد نظام حسنى مبارك طوال عشرين سنة من حكمه وبالأخص فى السنوات العشر الأخيرة لكن لم يتحول الأمر لثورة إلا بعد 30 عاما.
فى مقدمة هذه الشروط أن تكون الأوضاع العامة شديدة الصعوبة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأن تنسد كل سبل وطرق التنفيسن والأهم أن تكون هناك قوى وتنظيمات وأحزاب سياسية وجماهيرية جاهزة للقيادة حتى يتم هذا التغيير.
يحق للحكومة أن تطمئن لفشل جماعة الإخوان ومحمد على، وانصراف الناس عنهم تماما، لكن عليها أن تدرس بهدوء مغزى ما حصل من توترات فى بعض المناطق النائية خصوصا فى الجيزة، حتى لا يحدث التباس بين غضب الناس العاديين غير المسيسين من شكاوى حياتية يومية وبين دعوات التحريض من الخارج.